الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول أثر الاختلاف في أقل الحيض على عدة المطلقة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
- لا فرق بين العبادة والعدة في أقل الحيض.
- كل حيض منع من الصلاة والصوم فهو معتبر في العدة.
- إذا كان للمرأة عادة معلومة فادعت خلاف ما عرف من عادتها طلبت منها البينة؛ لدعوها خلاف الظاهر.
- حقوق الخلق يحتاط لها أكثر من حقوق الخالق.
[م-690] القائلون بتحديد أقل الحيض، وهم الجمهور اعترضوا على من قال: بأنه لا حد لأقل الحيض، بأن المرأة المطلقة قد تدعي خروجها من العدة خلال ثلاثة أيام، بل ربما أقل، وبالتالي فلا بد من القول بتحديد أقل الحيض، وأقل الطهر.
وللجواب على هذا الإشكال، أن يقال:
القائلون بأنه لا حد لأقل الحيض قد اختلفوا في هذه المسألة على قولين أو ثلاثة:
منهم من فرق بين العدة والاستبراء، وبين العبادة كالمالكية.
ومنهم من لم يفرق بينهما مطلقًا كابن حزم.
وآخر وقف موقفًا متوسطًا، قال: إذا ادعت خلاف الظاهر كلفت البينة، وهذا رأي ابن تيمية.
وهذا الرأي وإن كان يبدو قويًا إلا أن البينة في مثل هذا تكاد تتعذر، ثم إن المرأة مؤتمنة على عدتها، والمؤتمن على شيء يقبل قوله.
هذا ملخص الأقوال، وإليك النقول عنهم جميعًا، سواء من ادعى بأن أقل الحيض له حد معين، أو من قال: بأنه لا حد لأقل الحيض.
كلام القائلين بأنه لا حد لأقل الحيض:
قال الكشناوي من المالكية: «وأقله -يعني الحيض- في العبادة دفعة واحدة، فيجب عليها الغسل بالدفعة، ويبطل صومها، وتقضي ذلك اليوم، وأما في العدة والاستبراء فلا يعد حيضًا إلا ما استمر يومًا، أو بعض يوم له بال»
(1)
.
فإذا كان أقل الطهر عند المالكية خمسة عشر يومًا، فلا يمكن أن تنقضي عدتها إلا بأكثر من شهر، سواء قلنا:(القرء) هو الحيض، أو قلنا: المراد به الطهر.
وقال ابن تيمية: «قال في المحرر: وإذا ادعت انقضاء عدتها بالأقراء، أو الولادة قبل قولها إذا كان ممكنًا، إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل قولها إلا ببينة.
قال أبو العباس: قياس المذهب المنصوص: أنها إذا ادعت ما يخالف الظاهر كلفت البينة، لا سيما إذا أوجبنا عليها البينة فيما إذا علق طلاقها بحيضها، فقالت: حضت، فإن التهمة في الخلاص من العدة كالتهمة في الخلاص من النكاح، فيتوجه أنها إذا ادعت الانقضاء في أقل من ثلاثة أشهر كلفت البينة»
(2)
.
ويشكل على قول ابن تيمية رحمه الله أن الله سبحانه وتعالى جعل النساء مؤتمنات
(1)
أسهل المدارك (1/ 87).
(2)
الاختيارات (ص: 587)
على عددهن. قال تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[البقرة: 228].
وذكر ابن رجب قال: روى الأعمش، عن مسروق، عن أبي بن كعب، قال: إن من الأمانة أن ائتمنت المرأة على رحمها
(1)
.
وكل من كان مؤتمنًا فإنه يقبل قوله مع يمينه.
ووافق ابن القيم شيخه ابن تيمية، فقال رحمه الله: «فإن قيل: ينبغي إن كان ليس لأقله حد لو ادعت انقضاء عدتها في أربعة أيام تباح للأزواج.
قيل: إن العدة ليس من هذا؛ لأن قوله: (ثَلاثَةَ قُرُوَءٍ) يريد الأقراء الكاملة، وأقل الكاملة أن تكون في شهر، لحديث علي مع شريح»
(2)
.
قلت: لا أعلم أن هناك قرءًا كاملًا، وآخر ناقصًا، فالقرء هو القرء، قد يطول وقد يقصر، لكن لا يوصف بالكمال والنقص.
وخالفهم ابن حزم، فلم يفرق بين العبادة، وبين العدة والاستبراء، فقال رحمه الله: وأما من فرق بين الصلاة والصوم وتحريم الوطء، وبين العدة، فقول ظاهر الخطأ، ولا نعلم له حجة أصلًا، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة، ولا سقيمة، ولا إجماع، ولا من قول صاحب، ولا من قياس، ولا من احتياط، ولا من رأي له وجه! ! فوجب تركه.
وأشار ابن حزم إلى أن القول بعدم التفريق بين العبادة وبين العدة هو قول الأوزاعي، وداود الظاهري، وأحد قولي الشافعي
(3)
.
كلام القائلين بتحديد أقل الحيض.
اختلف الجمهور القائلون بتحديد أقل مدة الحيض، متى تصدق المرأة في دعوى
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (1/ 143).
(2)
سبق تخريجه في رقم (38)، وبينت أن في إسناده انقطاعًا.
(3)
المحلى (مسألة 266).
انقضاء عدتها، وذلك لاختلافهم في أقل الحيض، وفي أقل الطهر. وإليك النقول عنهم.
قال ابن رجب: «ومذهب أبي حنيفة لا تصدق في دعوى انقضاء العدة في أقل من ستين يومًا. واختلف عنه في تعليل ذلك، فنقل عنه أبو يوسف أنها تبدأ بطهر كامل خمسة عشر يومًا، ويجعل كل حيضة خمسة أيام، والأقراء عندهم حيض.
ونَقَلَ عنه -أي عن أبي حنيفة- الحسن بن زياد أنه اعتبر أكثر الحيض، وهو عندهم عشرة أيام، وأقل الطهر، وهو خمسة عشر يومًا، وبدأ بالحيض.
وقال صاحباه: أبو يوسف ومحمد: لا تصدق إلا في كمال تسعة وثلاثين يومًا؛ بناءً على أقل الحيض، وهو عندهم ثلاثة، وأقل الطهر وهو خمسة عشر.
وقال سفيان الثوري: لا تصدق في أقل من أربعين يومًا، وهو أقل ما تحيض النساء فيه وتطهر، وهذا كقول أبي يوسف ومحمد
…
ومنهم من قال: إنما يقبل ذلك بغير بينة في حق من ليس لها عادة مستقرة، وأما من لها عادة منتظمة فلا تصدق إلا ببينة عل الأصح. كذا قال صاحب الترغيب.
وقال ابن عقيل في فنونه: لا يقبل مع فساد النساء، وكثرة كذبهن دعوى انقضاء العدة في أربعين ولا خمسين يومًا إلا ببينة تشهد أن هذه عادتها، أو أنها رأت الحيض على هذا المقدار، وتكرر ثلاثًا.
وقال إسحاق وأبو عبيد: لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر، إلا أن تكون لها عادة معلومة قد عرفها بطانة أهلها المرتضى دينهن وأمانتهن فيعمل بها حينئذٍ، ومتى لم يكن كذلك فقد وقعت الريبة فتحتاط، ويعدل الأقراء بالشهور، كما في حق الآيسة والصغيرة». انتهى كلامه رحمه الله
(1)
.
وأما المذهب الحنبلي فيقسمون الوقت إلى ثلاثة أقسام:
(1)
شرح ابن رجب لصحيح البخاري (2/ 147).
وقت لا تسمع دعواها مطلقًا، ولا ينظر فيها، حتى ولو ادعت بينة، كما لو ادعت انقضاء عدتها بثمانية وعشرين يومًا؛ لأنهم بنوا على قواعدهم بأن أقل الحيض يوم وليلة، وأقل الطهر ثلاثة عشر يومًا، فلا يمكن بناءً عليه أن تنقضي عدتها بهذه المدة فأقل.
والثاني: تقبل عادتها بلا بينة، كما لو ادعتها بزمن معتاد، كشهرين ونصف مثلًا؛ لأن المرأة مؤتمنة على عادتها.
والثالث من الأوقات: لو ادعت انقضاء عادتها بشهر مثلًا تسمع دعواها، وينظر فيها، ولا يقبل قولها إلا ببينة، اعتمادًا على قصة شريح مع علي، وسندها منقطع. كما مر معنا
(1)
.
والذي يترجح لي أن التفريق بين العبادة والعدة قول لا دليل عليه، فما دام يحكم له بأنه حيض مانع من الصلاة والصيام فهو معتبر في العدة إلا أن قبول قول المرأة في الصورة النادرة ينبغي الاحتياط فيه، لا تفريقًا بين العبادة والعدة، وإنما حفظًا للحقوق.
فإن كانت عادتها مطردة مستمرة لا تحيض إلا يومًا، أو أقل أو أكثر، كان قبولها في العادة جاريًا على أن هذه عادتها.
وإن ادعت خلاف عادتها المعلومة المستمرة فالظاهر لا يؤيد دعواها، فكونها تدعي خلاف عادتها، وأنها جاءتها بهذه الصورة النادرة المستمرة، ثم تكررت ثلاث مرات متتالية، وهي على هذه الصورة النادرة على خلاف ما يعلم من عادتها، فهذا يحدث في النفس شيئًا من قبول دعواها، فتكلف البينة، إن لم يصدقها زوجها. والله أعلم
(2)
.
* * *
(1)
الروض المربع مع حاشية العنقري (3/ 186)، الكافي (3/ 305)، المبدع (7/ 399).
(2)
وانظر زيادة بحث في مسألة أقل الطهر.