الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقول ابن رجب: «قضية عين لا عموم لها» ، يصح لو أنه كان هناك دليل صريح في منع الحائض من المكث في المسجد فيقال: إن هذه قضية عين لا يمكن أن تعارض ما صح في منع الحائض، أما إذا لم يرد دليل صريح فالدليل هذا متوجه على جواز مكث الحائض في المسجد. والله أعلم.
الدليل السادس:
إذا كان المشرك يدخل المسجد، ويمكث فيه، ولا يبعد أن يكون جنبًا، فالحائض أولى من المشرك.
(1840 - 300) فقد روى البخاري من طريق الليث، قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد،
أنه سمع أبا هريرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. وقد اختصره البخاري
(1)
.
وأجاب النووي على هذا الدليل بقوله: «القياس على المشرك جوابه من وجهين:
الأول: أن الشرع فرق بينهما!! فقام دليل تحريم مكث الجنب، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس بعض المشركين في المسجد، فإذا فرق الشرع لم يجز التسوية.
الثاني: أن الكافر لا يعتقد حرمة المسجد، فلا يكلف بها، بخلاف المسلم، وهذا كما أن الحربي لو أتلف على المسلم شيئًا لم يلزمه ضمانه، لأنه لم يلتزم الضمان بخلاف المسلم والذمي إذا أتلفا»
(2)
.
هذه أدلة كل فريق، والقائلون بجواز مكث الحائض في المسجد يكفيهم دليلًا أن معهم الأصل، وهو الحل، وبراءة الذمة، والقول بالتحريم فيه احتياط إلا أن أدلته
(1)
صحيح البخاري (462)، وقد رواه البخاري (3472) ومسلم (1764) بأطول من هذا.
(2)
المجموع (2/ 185).
محتملة، ولا يستطيع الباحث أن يجزم بتحريم المكث، فمن أراد الاحتياط فالاحتياط بابه واسع، والاحتياط في الاختيار للنفس غير الاحتياط في تحرير الأقوال، وبيان الأرجح والأقوى. فسلوك الاحتياط عند التحريم والتحليل للغير ألا يتجرأ طالب العلم على تحريم شيء حتى يتبين له وجهه بما يستطيع به الجزم أو غلبة الظن بأن هذا حرام. قال سبحانه:(وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)[النحل: 116]، ولا يكفي أن يكون هذا القول قد ذهب إليه الجمهور، فإن الحق لا يعرف بالكثرة.
* * *