الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
.
(2)
.
وهذا القول أقرب من القول بوجوب المضمضة والاستنشاق، وإن كان قد يقال: إذا لم يصح في المضمضة دليل، فالاستنشاق جزء منه، فيكون الأمر به للاستحباب، وليس للوجوب، وعلى القول بوجوب الاستنشاق في الوضوء فإنه لا يصح دليلًا على وجوبه في الغسل.
•
دليل من قال: المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء دون الغسل:
أدلة هذا القول مركبة من أدلة قولين قد سبقا.
فأدلتهم على وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء هي أدلة الحنابلة، وأدلتهم على كونها سنة في الغسل هي أدلة المالكية والشافعية.
والراجح عندي أن المضمضة سنة في الوضوء والغسل، وأما الاستنشاق فقد يقال بوجوبه في الوضوء دون الغسل، كما هو ظاهر النصوص، وقد يقال بأن المضمضة إذا لم تثبت في الوضوء فالاستنشاق جزء منها، فيكون الأمر بالاستنشاق للاستحباب، وأما قياس الغسل على الوضوء فلا يصح، والله أعلم.
* * *
(1)
الأوسط (1/ 379).
(2)
التمهيد كما في فتح البر (3/ 208).
المسألة الخامسة
في غسل الرأس في وضوء الغسل
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• غسل الرأس في الوضوء يجزئ عن مسحه، لكنه في الوضوء المفرد مكروه؛ لمخالفته السنة، وفي الوضوء المقرون بالغسل غير مكروه؛ لأن غسل الرأس فرض، والمسح يندرج في الغسل.
• لم أقف على حديث واحد يصرح بمسح الرأس في غسل الجنابة.
• كل الأحاديث التي فصلت وضوء غسل الجنابة تذكر صراحة غسل الرأس، وليس في حديث منها ذكر للمسح.
[م-725] وهذه المسألة هي مقيسة على غسل الجنابة.
فإذا توضأ المجنب وبلغ في الوضوء رأسه فهل يمسحه؟ أو يقال: لا داعي لمسحه ما دام أنه سوف يغسله؟
أما الوضوء بدون اغتسال فالمشروع فيه المسح، واختلفوا: هل يجزئ الغسل؟ على ثلاثة أقوال:
الجواز مع الكراهة، والمنع مطلقًا، والجواز إن مر بيده على رأسه وليس هذا موضع بحثها.
أما في الاغتسال للجنابة والحيض.
فالحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
، يرون مسح الرأس؛ لأنهم يرون إتمام الوضوء قبل غسل الرأس وإفاضة الماء.
وذكر ابن رجب: عن ابن عمر أنه لم يكن يمسح رأسه، بل يصب عليه الماء صبًا ويكتفي بذلك، ونص عليه إسحاق
(5)
، ونقله أبو داود عن أحمد كما في المسائل
(6)
.
وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة
(7)
، ورواية ابن وهب عن مالك
(8)
.
ولم يأت دليل صريح بمسح الرأس في الوضوء، وإنما الأدلة إما أن تذكر بأنه توضأ وضوءه للصلاة، وهذا مجمل، أو تذكر بأنه توضأ غير رجليه، وهذا الاستثناء قد يكون فيه دلالة على مسح الرأس، وقد يكون الراوي لم يستثن الرأس لأنه قد غسل وهو مسح وزيادة، وأما الأحاديث التي تأتي صريحة بذكر الوضوء مفصلًا فإنها
(1)
العناية المطبوع مع شرح فتح القدير (1/ 58)، مراقي الفلاح (ص: 44)، بدائع الصنائع (1/ 35)، البحر الرائق (1/ 52)، تبيين الحقائق (1/ 14)، شرح فتح القدير (1/ 57، 58).
(2)
الشرح الكبير مطبوع بهامش حاشية الدسوقي (1/ 137)، المتقى للباجي (1/ 93)، مواهب الجليل (1/ 314)، ورجح في تنوير المقالة في شح الرسالة (1/ 540) أنه لا يمسح رأسه إذ لا فائدة في المسح مع الغسل، منح الجليل (1/ 128).
(3)
مغني المحتاج (1/ 73)، نهاية المحتاج (1/ 225)، روضة الطالبين (1/ 89)، الحاوي (1/ 219).
(4)
كشاف القناع (1/ 152)، الفروع (1/ 204)، الإنصاف (1/ 252)، معونة أولي النهى شرح المنتهى (1/ 403)، المغني (1/ 287).
(5)
في شرحه للبخاري (1/ 239).
(6)
مسائل أحمد رواية أبي داود (ص: 19).
(7)
بدائع الصنائع (1/ 35)، البحر الرائق (1/ 52)، العناية (1/ 58)، شرح فتح القدير (1/ 57، 58).
(8)
المنتقى (1/ 93)، تنوير المقالة (1/ 540).
تذكر غسل الرأس بدل مسحه، فهل يقال إن في الرأس صفتين: له أن يمسحه ثم يغسله، وله أن يكتفي بغسله.
أو يقال يجب رد الأحاديث المجملة بذكر الوضوء إلى الأحاديث التي فصلت الوضوء وذكرت غسل الرأس ولم تذكر مسحه، المسألة محتملة، وإن كنت أميل إلى الاقتصار على غسل الرأس، لأنه لا معنى لمسحه وهو سوف يغسل فرضًا.
(1669 - 131) وهذا نص حديث ميمونة كما رواه البخاري من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، قال:
قالت ميمونة رضي الله عنها: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل، فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا، ثم أفرغ على شماله، فغسل مذاكيره، ثم مسح يده بالأرض، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم أفاض على جسده، ثم تحول من مكانه فغسل قدميه
(1)
.
وهو في مسلم
(2)
بغير هذا اللفظ.
وأما حديث عائشة ففيه: (توضأ وضوءه للصلاة) فحملها بعضهم على أن المراد الوضوء الكامل بما في ذلك مسح الرأس.
(1670 - 132) لما رواه البخاري من طريق هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يخلل بيده شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليها الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده رواه البخاري واللفظ له ومسلم
(3)
.
فقولها: (توضأ وضوءه للصلاة). قد يراد به الوضوء الكامل، وقد يقال باعتبار
(1)
البخاري (257).
(2)
صحيح مسلم (317).
(3)
البخاري (272) ومسلم (316).
الأغلب، فهذه ميمونة رضي الله عنها تقول:(توضأ وضوءه للصلاة). والمراد غير رجليه. فإذا صح إطلاق الوضوء على غسل جميع أعضاء الوضوء غير الرجلين، صح إطلاق الوضوء على الوضوء الكامل غير الرجلين والرأس، خاصة أن الرأس لم يترك بل غسل غسلًا وهو مسح وزيادة، وكوننا نحمل حديث عائشة على حديث ميمونة في صفة غسل الرأس أولى من حمله على صفتين، خاصة أننا لم نقف على حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرح بالمسح للرأس. والله أعلم.
وحديث ميمونة الذي فيه بأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة وتبين أنه لم يغسل رجليه إلا في آخر غسله.
(1671 - 133) رواه البخاري من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، عن ميمونة،
أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده، ثم دلك بها الحائط، ثم غسلها، ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه. رواه البخاري، واللفظ له ومسلم
(1)
.
فإذا صح أن تقول ميمونة: توضأ وضوءه للصلاة والمراد غير رجليه صح أن قول عائشة: (توضأ وضوءه للصلاة) أي وغسل رأسه بدل مسحه، وحمل ما أجمل م
(2)
ن حديث عائشة على ما فسر من حديث ميمونة. بل جاء الوضوء مفصلًا عند أحمد
(3)
، بسند حسن من حديث عائشة، وصرحت بغسل الرأس بدل مسحه.
* * *
(1)
صحيح البخاري (260)، ومسلم (317).
(2)
(3)
المسند (6/ 96). ولفظه: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من جنابة يغسل يديه ثلاثًا، ثم يأخذ بيمينه ليصب على شماله، فيغسل فرجه حتى ينقيه، ثم يغسل يده غسلًا حسنًا، ثم يمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ثم يصب الماء على رأسه ثلاثًا، ثم يغتسل، فإذا خرج غسل قدميه. انظر تخريجه في أدلة الجمهور في المسألة التالية.
المسألة السادسة
في تثليث الوضوء في الغسل
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
(1)
• استحباب التثليث يرجع إلى الخلاف في حقيقة الوضوء، هل هذا الوضوء هو جزء من غسل البدن، وإنما صورته صورة الوضوء، وقدم في هذا الغسل أعضاء الوضوء لشرفها، وإذا كان الوضوء غسلًا لم يكن التثليث فيه مشروعًا، أو أن هذا الوضوء قبل الغسل هو وضوء بنية رفع الحدث قبل ارتفاع الحدث الأكبر، فيأخذ حكم الوضوء، ومنها التثليث؟
[م-726] اختلف العلماء في مشروعية تكرار غسل الأعضاء في وضوء الغسل:
فقيل: يسن في وضوء الغسل أن يكون ثلاثًا ثلاثًا.
(1)
سبب الخلاف الفرق بين الوضوء من الحدث الأصغر، والوضوء في الغسل، فالأول يرفع الحدث، والثاني مجرد البداءة بمواضع الوضوء لشرفها، وإلا فالحدث الأصغر لا يرتفع مع بقاء الحدث الأكبر.