الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• ويجاب:
بأن استدلال سلمان رضي الله عنه على وجوب الطهارة من الآية فيها نزاع، وقد خالفه في ذلك ابن عباس، وهو أفقه وأعلم بكتاب الله، ووافقه على ذلك أنس رضي الله عنه، وقد فسرا رضي الله عنهما (المطهرون) بالملائكة، والضمير في قوله:(لا يمسه) يعود إلى أقرب مذكور، وهو الكتاب المكنون
(1)
، وقال مالك: «أحسن ما سمعت في هذه الآية (لَاّ يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُونَ) إنما هي بمنزله هذه الآية التي في عبس: قول الله تبارك وتعالى: (كَلَاّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ) [عبس: 11 - 16]
(2)
.
قال ابن المنذر: «قال أنس
(3)
، وابن جبير، ومجاهد، والضحاك، وأبو العالية: المراد بالآية: الملائكة
(4)
.
ولو أراد به الطهارة لمس المصحف، لقال: المتطهرون، كما قال تعالى:(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) فأضاف الطهارة إلى فعلهم بقوله: (تَطَهَّرْنَ)، وقوله:(الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222].
الدليل الثامن:
(1770 - 231) روى مالك في الموطأ، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي
(1)
انظر تفسير الطبري (11/ 659)، وأحكام القرآن - الجصاص (5/ 300)، تفسير ابن كثير (4/ 299)، وتفسير السيوطي (8/ 26).
(2)
الموطأ (1/ 199).
(3)
أخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عن أنس رضي الله عنه: لا يمسه إلا المطهرون قال: الملائكة عليهم السلام، وانظر تفسير القرطبي (17/ 225).
(4)
الأوسط (1/ 103)، وذكرهم ابن كثير في تفسيره (4/ 299) وزاد عليهم: عكرمة، وأبوالشعثاء جابر بن يزيد، وأبو نهيك، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقتادة. اهـ
وقال السيوطي في تفسيره (8/ 26): أخرج آدم بن أبي إياس، وعبد بن حميد، وابن جرير،
وابن المنذر، والبيهقي في المعرفة، عن مجاهد رضي الله عنه، قال: القرآن في كتابه المكنون: الذي لا يمسه شيء من تراب ولا غبار، لا يمسه إلا المطهرون، قال: الملائكة عليهم السلام. اهـ
وقاص، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، أنه قال:
كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص، فاحتككت. فقال: لعلك مسست ذكرك. قال: فقلت: نعم. فقال: قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت
(1)
.
[صحيح].
• وأجيب عن هذا لأثر بجوابين:
أحدهما: مع صحة إسناده، إلا أنه ليس صريحًا في وجوب الوضوء؛ لأن الوضوء لا نزاع في كونه مشروعًا لمس المصحف، ولكن النزاع هل يجب أو لا يجب. والصحابة من أحرص الناس على الخير، وأكملهم في طلبه، ولا غرابة أن يطلب من ابنه الطهارة لقراءة القرآن ومسه.
ثانيًا: أن هذا الأثر قد وقع فيه خلاف على سعد من جهة وجوب الوضوء لمس الذكر
(2)
.
(1)
الموطأ (2/ 42).
(2)
فقد اختلف على إسماعيل بن محمد، فرواه مالك، عن إسماعيل بن محمد، بالوضوء من مس الذكر، من أجل مس المصحف.
ورواه الطحاوي (1/ 77) من طريق عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد به. بلفظ: كنت آخذ عن أبي المصحف، فاحتككت، فأصبت فرجي، فقال: أصبت فرجك؟ قلت: نعم. قلت: احتككت. فقال: اغمس يدك في التراب، ولم يأمرني أن أتوضأ.
ورواه إسماعيل بن أبي خالد، واختلف عليه فيه:
فورواه الطحاوي (1/ 77) من طريق عبد الله بن رجاء، حدثنا زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الزبير بن عدي، عن مصعب بن سعد. مثله، غير أنه قال: قم، فاغسل يدك.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 150) عن وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، به. وفيه: فقال له توضأ.
ورواية مالك أرجح.
أولًا: لإمامته وحفظه.
وثانيًا: لأنه قد تابعه على ذلك الحكم، فقد أخرجه الطحاوي (1/ 76) من طريق شعبة، قال: أنبأني الحكم، قال: سمعت مصعب بن سعد، وذكر نحو حديثه.
وثالثًا: أن عبد الله بن جعفر، لا يقارن بمالك، وعبد لله بن رجاء، لا يقارن بوكيع، أما عبد الله بن جعفر. فالأكثر على أنه صدوق، فمثل هذا لا يمكن أن يقدم على مالك.
كما أن عبد الله بن رجاء، قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق يهم. فأين هذا من وكيع.
وأما الاختلاف على سعد في الوضوء من مس الذكر، فإنه محفوظ.
فقد رواه عبد الرزاق (434) عن ابن عيينة.
ورواه الطحاوي (1/ 77) من طريق زائدة،
ورواه أيضًا من طريق هشيم، كلهم ثلاثتهم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن سعد بعدم الوضوء من مس الذكر. وقد صرح هشيم بالتحديث.
وقال ابن عبد البر في التمهيد، كما في فتح البر (3/ 338، 340) اختلف فيه على سعد بن أبي وقاص، فروى عنه أن لا وضوء على من مس ذكره. هذه رواية أهل الكوفة عنه. ذكره عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم عنه. وروى عنه أهل المدينة إيجاب الوضوء منه، من رواية مالك، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن مصعب ابن سعد، عنه. وذكرت لفظها في معرض الاحتجاج بالطهارة من مس المصحف.