الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم
(1)
.
وقد يستدل بحديث عائشة على عكس قولهم، فيستدل به على جواز المكث في المسجد لأن قوله:(افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت). فيقال: إن الاستثناء معيار العموم، فلم يستثن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الطواف، ومعلوم أن الحاج يمكث في المسجد، ولو كان لا يحل لها لنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وبهذا الاستدلال قال ابن حزم، فقد قال:«لو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عليه السلام عائشة إذ حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف في البيت، ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عليه السلام عن ذلك، ويقتصر على منعها من الطواف»
(2)
.
وهذا الاستدلال فيه نظر؛ لأن الطواف استثني من أعمال المناسك:
فكأنه قال: افعلي جميع المناسك ما عدا الطواف، والمكث في المسجد ليس من الأعمال الخاصة بالمناسك، والله أعلم.
الدليل الرابع:
القياس على الجنب. فإذا كان الجنب ممنوعًا من المكث في المسجد كانت الحائض أولى؛ لأن حدث الحيض أغلظ؛ حيث تمنع من الصيام ولا يمنع الجنب من ذلك ولا تقضي الحائض الصلاة، والجنب مأمور بفعلها إذا تطهر.
والدليل على منع الجنب قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)[النساء: 43].
(1827 - 287) فقد روى عبد الرزاق، قال: عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة بن عبد الله،
(1)
صحيح البخاري (309).
(2)
المحلى مسألة (262).
عن ابن مسعود أنه كان يرخص للجنب أن يمر في المسجد مجتازًا ولا أعلمه إلا قال: (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ)[النساء: 43]
(1)
.
[أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، ورأى بعضهم أن حديث أبي عبيدة في حكم المتصل]
(2)
.
(1828 - 288) وروى ابن المنذر، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا
(1)
المصنف (1613).
(2)
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن جرير الطبري (9554) وابن المنذر في الأوسط (2/ 107) والبيهقي (2/ 443).
ورواه ابن أبي شيبة (1/ 135) رقم 1552: حدثنا شريك بن عبد الله، عن عبد الكريم عن أبي عبيدة من قوله
…
ولم يذكر عن ابن مسعود، وهذا من سوء حفظ شريك.
وقال الترمذي كما في السنن (1/ 28، 337)، والنسائي كما في السنن (1404)، وابن حبان كما في الثقات (5/ 561)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 75)، وفي المعرفة (3/ 14) و (4/ 370) وابن عبد الهادي كما في تنقيح التحقيق (3/ 39): أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا. وانظر التمهيد (5/ 37)، (20/ 232).
وقال الحافظ في التقريب: والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه.
وروى شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سألت أبا عبيدة، هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: ما أذكر منه شيئًا. المراسيل لابن أبي حاتم (952، 955)، الطبقات الكبرى (6/ 210)، جامع التحصيل (324).
إلا أن هذا لا يمنع من تصحيح هذا الأثر عند بعض العلماء، فقد صحيح الدارقطني إسناد أبي عبيدة عن أبيه في السنن (3/ 173) وقال: أبو عبيدة أعلم بحديث أبيه، وبمذهبه وفتياه ....
وقال في العلل (5/ 308): «قيل سماع أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه صحيح؟ قال: مختلف فيه، والصحيح عندي أنه لم يسمع منه، ولكنه كان صغيرًا بين يديه
…
». وانظر البدر المنير (6/ 594).
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6/ 404): «يقال: إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن هو عالم بحال أبيه، متلق لآثاره من أكابر أصحاب أبيه ..... ولم يكن في أصحاب عبد الله من يتهم عليه حتى يخاف أن يكون هو الواسطة، فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل: إنه لم يسمع من أبيه» .
وقال ابن القيم في تهذيب السنن (6/ 350): «أبو عبيدة شديد العناية بحديث أبيه وفتاويه، وعنده من العلم ما ليس عند غيره» . وانظر شرح معاني الآثار (1/ 95).
أبو جعفر الرازي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار،
عن ابن عباس قال: (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ) قال: إلا وأنت مار فيه
(1)
.
• وأجيب بجوابين:
أحدهما: أن الأثر ضعيف
(2)
.
الثاني: أنه قد صح عن ابن عباس خلاف:
(1829 - 289) فقد روى ابن جرير من طريق محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن قتادة، عن أبي مجلز،
عن ابن عباس في قوله: (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ) قال: المسافر. وقال ابن المثنى: السفر
(3)
.
فهذا سند في غاية الصحة، ولا تضر عنعنة قتادة وقد جاء حديثه من طريق شعبة
(4)
.
(1830 - 290) ومنها ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا علي بن هاشم، عن
(1)
الأوسط (2/ 106) ورواه الطبري في تفسيره (9555) من طريق عبد الله بن موسى، عن أبي جعفر الرازي به.
(2)
فيه أبو جعفر، وثقه بعضهم وتكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وقال فيه أحمد: ليس بقوي في الحديث وقال مرة: صالح الحديث.
وقال ابن معين: يكتب حديثه، ولكنه يخطئ. وقال مرة: صالح. وقال أخرى: ثقة، وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة.
وقال عمرو بن علي: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق سيء الحفظ.
وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيرًا. وفي التقريب: صدوق سيء الحفظ خصوصًا عن مغيرة.
وأخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (1/ 502) حدثنا محمد بن عمار، حدثنا عبد الرحمن الدشتكي، أخبرنا أبو جعفر به.
(3)
تفسير الطبري (9537).
(4)
والأثر رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9541) من طريق هشام عن قتادة به. ورواه ابن
أبي شيبة (1/ 144) رقم 1665، حدثنا وكيع، عن ابن أبي عروبة عن قتادة به. ومن طريق ابن أبي عروبة أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 108). وقال السيوطي في تفسيره (2/ 547):«وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس به» .
ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عباد بن عبد الله، وزر، عن علي (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ) [النساء: 43]، قال: المار الذي لا يجد الماء يتيمم، ويصلي
(1)
.
ورواه ابن جرير الطبري
(2)
، وابن المنذر
(3)
، من طريق ابن أبي ليلى إلا أن
ابن المنذر لم يذكر عباد بن عبد الله، وابن جرير رواه عن عباد أو عن زر.
[وهذا الإسناد فيه ضعف منجبر]
(4)
.
وقد فسر قوله تعالى: (عَابِرِي سَبِيلٍ) بالمسافرين جماعة من التابعين، منهم مجاهد
(5)
، وعمرو بن دينار
(6)
، وسعيد بن جبير
(7)
، وسليمان بن موسى
(8)
، والحكم ابن عتيبة
(9)
، والحسن بن مسلم
(10)
.
(1)
المصنف (1/ 144) رقم 1663.
(2)
تفسير الطبري (9539).
(3)
الأوسط (2/ 108).
(4)
لأن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى فيه ضعف من قبل حفظه، لكنه توبع، فقد أخرجه البيهقي (1/ 216) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله، وليس هو المسعودي، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن علي قال: أنزلت هذه الآية في المسافر (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) قال: إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم وصلى حتى يدرك الماء، فإذا أدرك الماء اغتسل.
وقال السيوطي في تفسيره (2/ 546): «أخرج الفريابي، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن علي في قوله:(وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ) قال: نزلت هذه الآية في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي.
(5)
رواه عبد الرزاق (1615)، وابن جرير الطبري في تفسيره (9543)، (9544)، (9545)، (9546) من طرق عن مجاهد.
(6)
رواه عبد الرزاق (1614) بسند صحيح عنه.
(7)
رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9540) بسند صحيح عنه.
(8)
رواه ابن أبي شيبة (1/ 145) رقم 1666 بسند صحيح عنه.
(9)
رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9551) بسند صحيح عنه.
(10)
رواه ابن أبي شيبة (1/ 144) رقم 1664 بسند صحيح، ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9547) من طريق شيخ ابن أبي شيبة.
وذهب عطاء
(1)
، والحسن
(2)
، وإبراهيم النخعي
(3)
، إلى أن معنى قوله:(وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ) الجنب يمر في المسجد.
وقد حكي عن ابن مسعود، وخالفه ابن عباس، وسبق الكلام عليهما فتحصل في معنى الآية قولان:
الأول: أن معنى قوله: (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ) أي لا يقرب الصلاة الجنب إلا أن يكون مسافرًا فيتيمم ويصلي وهذا التفسير هو الثابت عن ابن عباس وعلي وجماعة من التابعين.
الثاني: أن معنى قوله: (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ) أي: لا تقرب موضع الصلاة وأنت جنب إلا أن تكون مارًا في المسجد غير ماكث فيه.
وعليه فيكون معنى قوله: (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) أي لا تقربوا مواضع الصلاة
(4)
. ولكل قول عندي مرجح.
(1)
رواه ابن أبي شيبة (1/ 135) بسند رجاله ثقات وفيه عنعنة ابن جريج عن عطاء لكنه مكثر عن عطاء فلعلها تغتفر.
(2)
رواه ابن جرير الطبري (9559) بسند رجاله ثقات وفيه عنعنة قتادة، وهو مدلس مكثر.
(3)
رواه ابن أبي شيبة (1/ 135) رقم 1554 بسند صحيح.
(4)
انظر تفسير القرطبي (5/ 100)، تفسير مجاهد (1/ 158)، زاد المسير (2/ 90)، فتح القدير (1/ 469)، مشكل إعراب القرآن (1/ 198)، تفسير ابن كثير (1/ 503) ورجح أن المراد بقوله:«إلا عابري سبيل» أي المجتاز مرًا. قال ابن كثير: «لو كان معنيًا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) معنى مفهوم» . وانظر أحكام الجصاص (3/ 169) ورجح أن المراد به المسافر، قال:«وما روي عن علي وابن عباس في تأويله أن المراد المسافر الذي لا يجد الماء فيتيمم أولى من تأويل من تأوله على الاجتياز في المسجد؛ وذلك لأن قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى) نهي عن فعل الصلاة في هذه الحال، لا عن المسجد؛ لأن ذلك حقيقة اللفظ، ومفهوم الخطاب، وحمله على المسجد عدول بالكلام عن حقيقته إلى المجاز بأن تجعل الصلاة عبارة عن موضعها، كما يسمى الشيء باسم غيره للمجاورة أو لأنه تسبب منه كقوله تعالى (لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ) يعني به مواضع الصلاة ومتى أمكننا استعمال اللفظ على حقيقته لم يجز صرف ذلك عن الحقيقة، وفي نسق التلاوة ما يدل على أن المراد حقيقة الصلاة وهو قوله تعالى (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)» .