الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
إذا زاد الدم على عادة المرأة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
- كل زيادة في عادة المرأة فلها حكم العادة، ما لم يصل إلى حد الاستحاضة.
- إذا كانت عادة المرأة تقبل النقص فهي تقبل الزيادة، إلا أن يطبق الدم على المرأة شهرًا كاملًا، أو يزيد عن أكثر الحيض.
[م-701] إذا كان للمرأة عادة مستقرة، خمسة أيام من كل شهر، فاستمر معها الدم ثمانية أيام، فماذا تصنع؟
اختلف فيها العلماء إلى أقوال منها:
القول الأول: مذهب الحنفية
(1)
.
قالوا: إذا زادت عادة المرأة، فإن كانت عادتها عشرة أيام -وهي عندهم أكثر الحيض- فما زاد فهو استحاضة؛ لأن الحيض عندهم لا يمكن أن يكون أكثر من عشرة أيام. وستأتي إن شاء الله أحكام المستحاضة.
(1)
البحر الرائق (1/ 224)، شرح فتح القدير (1/ 176، 177)، تبيين الحقائق (1/ 64)، البناية - للعيني (1/ 665)، بدائع الصنائع (1/ 41).
وإن كانت عادتها أقل من عشرة أيام، فاستمر معها الدم وزاد على عادتها وانقطع لعشرة أيام فما دون.
قال ابن الهمام: «فالكل حيض بالاتفاق، وإنما الخلاف هل يصير عادة لها، أم لا؟ »
(1)
.
قلت: من اشترط في انتقال العادة التكرار، كأبي حنيفة، ومحمد لم يعتبرا الزيادة عادة، وإن اعتبراها حيضًا، حتى تتكرر الزيادة مرتين.
ومن لم يشترط في انتقال العادة التكرار، اعتبر الزيادة عادة، وألغى العادة السابقة كأبي يوسف. وقد فصلت أدلتهم في مسألة مستقلة.
وإذا زاد الدم على عادتها، فهل تستمر على ترك الصلاة والصيام؟
وجهان في مذهب الحنفية:
الأول: أنها تصلي وتصوم؛ لاحتمال أن يجاوز الدم عشرة أيام، فتكون مستحاضة، فما دام أن الزيادة مترددة بين الحيض والاستحاضة، فلا تترك من أجلها الواجبات حتى يعلم أن الزيادة حيض، وذلك بانقطاعها لعشرة أيام فما دون، وهذا اختيار أئمة بلخ
(2)
.
وقيل: تترك الصلاة والصيام استصحابًا للحال؛ ولأن دم الحيض دم صحة، ودم الاستحاضة دم علة، والأصل هو الصحة والسلامة من المرض.
وصححه ابن الهمام في شرح فتح القدير والزيلعي في تبيين الحقائق وصححه في المجتبى.
واشترط ابن نجيم أن يكون بعده طهر صحيح، وهو خمسة عشر يومًا فأكثر، قال في البحر الرائق: «لو زاد عن العادة -يعني الدم- ولم يزد على الأكثر، فالكل
(1)
شرح فتح القدير (1/ 177).
(2)
البناية (1/ 665).
حيض اتفاقًا بشرط أن يكون بعده طهر صحيح، وإنما قيدناه به؛ لأنها لو كانت عادتها خمسة أيام مثلًا من أول كل شهر، فرأت ستة أيام، فإن السادس حيض أيضًا، فإن طهرت بعد ذلك أربعة عشر يومًا، ثم رأت الدم؛ فإنها ترد إلى عادتها خمسة أيام، واليوم السادس استحاضة
(1)
.
أما إذا زاد الدم على عشرة أيام؛ فإنها مستحاضة. فهل ترد إلى عادتها، أو إلى أكثر الحيض؟
الجواب: ترد إلى عادتها.
(1599 - 61) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها.
[ضعيف جدًّا]
(2)
.
ولأن ما رأته من الدم في أيام عادتها حيض بيقين، وما زاد على العشرة فهو استحاضة بيقين. وما بين ذلك متردد بين أن يلحق بما قبله فيكون حيضًا فلا تصلي، وبين أن يلحق بما بعده فيكون استحاضة، والصلاة والصيام واجبان بيقين، فلا يتركان بمجرد الشك.
هذا مذهب الحنفية فيما إذا زادت عادة المرأة وكانت الزيادة متأخرة عن العادة.
أما إذا زادت عادة المرأة، وكانت الزيادة متقدمة عن العادة فإن الحكم عندهم يختلف. وإليك تفصيله.
فقد ساق السرخسي في المبسوط مذهب الحنفية، وأسوقه ببعض التصرف.
قال السرخسي: صاحبة العادة إذا رأت قبل عادتها دمًا، فهو على ثلاثة أوجه:
أحدها: حيض بالاتفاق. وفي وجه: اختلفوا فيه، وفي وجه: روايتان عن أبي حنيفة.
(1)
البحر الرائق (1/ 224).
(2)
سبق تخريجه، انظر (ح: 1520).
الوجه الأول:
رأت قبل عادتها مالا يمكن أن يجعل حيضًا بانفراده، مثل أن ترى قبل عادتها يومًا أو يومين -لأن أقل الحيض عندهم ثلاثة أيام- ورأت في عادتها ما يمكن أن يجعل حيضًا بانفراده ثلاثة أيام فأكثر، ولم يجاوز الكل عشرة أيام، فالكل حيض بالاتفاق؛ لأن ما رأته قبل أيامها غير مستقل بنفسه، فيجعل تبعًا لما رأته في أيامه.
الوجه الثاني:
أن ترى قبل عادتها يومًا أو يومين، وترى في عادتها يومًا أو يومين، بحيث لا يمكن جعل كل واحد منهما حيضًا بانفراده، ما لم يجتمعا، أو ترى قبل عادتها ثلاثة أيام، ولا ترى في عادتها شيئًا، فعند أبي يوسف ومحمد الكل حيض، وعند أبي حنيفة لا يكون شيء من ذلك حيضًا.
وجه قولهما:
إن الحيض مبني على الإمكان، والمتقدم قياس المتأخر، فكما جعل المتأخر عند الإمكان حيضًا، فكذلك المتقدم.
وجه قول أبي حنيفة:
أن المتقدم دم مستنكر، مرئي قبل وقته، فلا يكون حيضًا، كالصغيرة جدًّا إذا رأت الدم؛ ولأن العادة لا تثبت إلا بالتكرار، ولا يقاس المتقدم على المتأخر؛ لأن المتأخر استبقاء، والمتقدم ابتداء، والاستبقاء أقوى من الابتداء.
الوجه الثالث:
إذا رأت قبل عادتها ما يكون حيضًا بانفراده، ورأت عادتها، فعلى قول أبي يوسف ومحمد لا إشكال فالجميع حيض بشرط ألا يجاوز الدم أكثر الحيض عندهم -ومقداره عشرة أيام- واعتبروه حيضًا قياسًا على ما إذا كانت الزيادة متأخرة عن العادة.
وعن أبي حنيفة روايتان:
فرواية محمد عن أبي حنيفة أن أيام عادتها حيض، وأما المتقدم فلا يثبت حتى يتكرر.
ورواية أبي يوسف عن أبي حنيفة: الجميع حيض، والمتقدم تبع للأصل
(1)
.
قلت: هذا القول ضعيف:
أولًا: لأنه مبني على أن أكثر الحيض عشرة أيام، وما عداه فهو استحاضة، وقد بينت في مسألة مستقلة بأنه لا حد لأكثر الحيض.
ثانيًا: اشتراط أن يكون ما بعد الدم الزائد طهرًا صحيحًا، وهو خمسة عشر يومًا فأكثر، لا دليل عليه. وقد سبق أن بينت في مسألة مستقلة بأنه لا حد لأقل الطهر.
القول الثاني: مذهب المالكية
(2)
.
مذهب المالكية فيه عدة أقوال سنذكرها إن شاء الله، وهي كالتالي:
القول الأول:
أنها تجلس عادتها، وتستظهر ثلاثة أيام، ومحل الاستظهار بالثلاثة، ما لم تجاوز نصف الشهر، فمن اعتادت نصف الشهر فلا استظهار عليها، ومن عادتها أربعة عشر يومًا استظهرت بيوم فقط، ومن كانت عادتها ستة أيام استظهرت بثلاثة أيام، ثم اغتسلت، وصامت، وصلت.
هذا قول مالك، وأصل مذهبه، والمذكور في المدونة، ولم يبين مالك رحمه الله إن كان يطؤها زوجها فيما بينها وبين الخمسة عشر يومًا أم لا، ومن ثم اختلف أصحابه على قولين:
الأول: أنها بعد الاستظهار تكون مستحاضة، فتغتسل وجوبًا، وتصلي، وتصوم، وتطوف إن كانت حاجة، ويأتيها زوجها، وهو ظاهر رواية ابن القاسم، عن مالك في
(1)
المبسوط مع بعض التصرف (3/ 180).
(2)
مواهب الجليل (1/ 368) المنتقى للباجي (1/ 124)، المدونة (1/ 151).
المدونة. وعلى هذه الرواية، تغتسل عند تمام خمسة عشر يومًا استحبابًا لا إيجابًا.
الثاني: أنها تجلس أيامها المعتادة والاستظهار، ثم تغتسل استحبابًا وتصلي احتياطًا، وتصوم، وتقضي الصيام، ولا يطؤها زوجها، ولا تطوف طواف الإفاضة، إلا بعد تمام الخمسة عشر يومًا، فإذا بلغت الخمسة عشر يومًا اغتسلت إيجابًا، وكانت مستحاضة، وهذا دليل رواية ابن وهب عن مالك في كتاب الوضوء من المدونة.
والقول الأول هو الراجح من مذهب مالك، اختاره صاحب الشرح الصغير
(1)
، ومختصر خليل
(2)
.
وقال في حاشية الدسوقي: «هذا مذهب المدونة»
(3)
.
وجه اعتبار الاستظهار بثلاثة أيام:
قال الباجي في المنتقي: «وجه رواية الاستظهار أن هذا خارج من الجسد أريد التمييز بينه وبين غيره، فجاز أن يعتبر فيه بثلاثة أيام. أصل ذلك لبن المصراة»
(4)
.
ويقصدون بلبن المصراة ما رواه مسلم، قال:
(1600 - 62) ما رواه مسلم من طريق سهيل، عن أبيه،
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر
(5)
.
وهذا من أعجب الاستدلالات، ولا أدري ما وجه الشبه بين المصراة، وبين من زادت عادتها، ويحق لي العجب، ويطول عجبي على من فتح باب القياس، ولو لم يكن
(1)
الشرح الصغير (1/ 210).
(2)
مختصر خليل (ص: 19).
(3)
حاشية الدسوقي (1/ 169).
(4)
المنتقى شرح الموطأ - للباجي (1/ 124).
(5)
رواه مسلم (1524).