الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
دليل من قال: الوضوء في الغسل مرة مرة إلا الكفين والرأس:
أما دليل من استحب تثليث الكفين والرأس فقط دون أعضاء الوضوء.
فقد استدلوا بحديث ميمونة.
(1673 - 135) روى البخاري من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، قال:
قالت ميمونة رضي الله عنها: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل، فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا، ثم أفرغ على شماله، فغسل مذاكيره، ثم مسح يده بالأرض، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم أفاض على جسده، ثم تحول من مكانه فغسل قدميه. رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري
(1)
.
فصار عندنا الآن:
أولًا: غسل الكفين قبل البداءة بالوضوء.
وثانيًا: أعضاء الوضوء ما عدا الرأس.
ثالثًا: الرأس.
أولًا: السنة في غسل الكفين.
أما الكفان فالمشروع في حقهما غسلهما ثلاثًا كما في حديث عائشة عند مسلم، من طريق وكيع حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة فبدأ فغسل كفيه ثلاثًا .. الحديث
(2)
.
وفي حديث ميمونة السابق: «فغسلهما مرتين أو ثلاثًا» .
= الطريق الخامس: جرير، عن عطاء بن السائب.
رواه إسحاق في مسنده (1042)، فذكر المضمضة والاستنشاق ثلاثًا، والإفراغ على رأسه ثلاثًا.
(1)
البخاري (265) ومسلم (317).
(2)
مسلم (36 - 316).
وهذه السنة ثابتة في كل وضوء وغسل، ومنه إذا قام من الليل، وأراد غمس يده في الإناء للوضوء.
ثانيًا: السنة في أعضاء الوضوء ما عدا الرأس.
أما أعضاء الوضوء ما عدا الرأس فيغسلان مرة واحدة كما قدمنا من حديث ميمونة .. حيث لم تذكر التثليث إلا في الكفين والرأس. ومعنى ذلك أن ما عداهما كان يغسل مرة واحدة.
والذي يجعلنا نرجح أنه لا يثلث في وضوء الغسل، لأننا نقول لا يشرع في غسل البدن من الجنابة التثليث إلا في الرأس على الراجح من أقوال أهل العلم.
وسبق لنا قول القاضي عياض في الإكمال: «لم يأت في شيء من وضوء الجنب ذكر التكرار، وقال بعض شيوخنا: إن التكرار في الغسل لا فضيلة فيه»
(1)
.
وقال خليل تعليقًا «لا فضيلة في تكراره، يريد؛ لأنه -أي وضوء الجنب- من الغسل، ولا فضيلة في تكراره»
(2)
.
وقال ابن رجب: لم ينص أحمد إلا على تثليث غسل كفيه ثلاثًا وعلى تثليث صب الماء على الرأس
(3)
.
وإذا سلم هذا، فإن الوضوء كذلك لا يشرع فيه التثليث؛ لأن الوضوء يكون بنية رفع الحدث الأكبر، لا بنية رفع الحدث الأصغر؛ لأن الحدث الأصغر لا يرتفع مع بقاء الأكبر، وإذا كان كذلك فإن أعضاء الوضوء سوف يكتفى بغسلها في الوضوء، ولن تغسل مرة ثانية في غسل الجنابة بل يغسل بقية البدن، والوضوء في الحقيقة غسل للبدن من الجنابة، إلا أنه قدم أعضاء الوضوء في الغسل لشرفها كما قال صلى الله عليه وسلم في تغسيل ابنته في حديث أم عطية:
(1)
إكمال المعلم (2/ 84).
(2)
التوضيح لخليل شرح جامع الأمهات لابن الحاجب تحقيق أحمد نجيب (1/ 178).
(3)
شرح ابن رجب لصحيح البخاري (1/ 238).
اغسلنها وابدأن بمواضع الوضوء منها. متفق عليه
(1)
.
وإذا كان لا يشرع التثليث في البدن على الصحيح، فلا يشرع التثليث في الوضوء.
والبخاري رحمه الله لا يرى غسل أعضاء الوضوء مرة أخرى، بل يتوضأ ثم يغسل بقية بدنه، قال رحمه الله في صحيحه:(باب: من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده، ولم يعد غسل مواضع الوضوء فيه مرة أخرى)
(2)
.
(3)
.
(1674 - 136) وقد روى البخاري من طريق هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يخلل بيديه شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده. رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم
(4)
.
فقولها: (ثم غسل سائر جسده) أي بقية جسده.
فتبين من هذا الكلام: أن الوضوء قبل الغسل نيته رفع الحدث الأكبر، وإن غسل أعضاء الوضوء لا يعاد غسلها مرة أخرى عند غسل البدن، وأن البدن كما أنه لا يشرع فيه التثليث، لا يشرع أيضًا في وضوء الغسل كما هو ظاهر حديث ميمونة، وأن التثليث في الوضوء لم يُرو في شيء من الأحاديث المرفوعة إلا ما كان من رواية عطاء بن السائب، عن أبي سلمة عن عائشة، وقد خالف بكير الأشج عطاء بن
(1)
البخاري (167)، ومسلم (939).
(2)
كتاب الغسل باب (16).
(3)
الفتح في شرحه لحديث (249).
(4)
البخاري (272) واللفظ له ومسلم (316).
السائب فلم يذكر التثليث، وأن أصحاب عطاء قد اختلفوا عليه، فأحفظهم شعبة لم يرو عنه التثليث. والله أعلم.
ثالثًا: السنة في غسل الرأس.
أما السنة في الرأس: فالذي تدل عليه الأحاديث أنه يخلل أولًا شعره بالماء حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته صب الماء على شعر رأسه ثلاثًا، فكان التخليل أولًا لغسل بشرة الرأس، وصب الماء بعده ثلاثًا لغسل الشعر
(1)
. وهذه الصفة مستحبة أحيانًا وليست واجبة.
وهي مما ذكر في حديث عائشة دون ميمونة.
(1675 - 137) فقد رواه البخاري من طريق هشام، عن أبيه،
عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله
(2)
.
ورواه مسلم، من طريق أبي معاوية عن هشام به، وفيه:
(ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء، فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه)
(3)
.
قال ابن رجب في شرحه للبخاري: «وهذه سنة عظيمة من سنن غسل الجنابة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنبه لها أكثر الفقهاء، مع توسعهم للقول في سنن الغسل وآدابه، ولم أر من صرح به منهم إلا صاحب المغني من أصحابنا، وأخذه من عموم قول أحمد:
(1)
انظر شرح ابن رجب لصحيح البخاري (1/ 311).
(2)
البخاري (248).
(3)
صحيح مسلم (316).
الغسل على حديث عائشة وكذلك ذكره صاحب المهذب من الشافعية»
(1)
.
وصفة غسل الرأس في الثلاث غرفات، هل يعم رأسه في كل غرفة؟ أو يفرغ واحدة على شقه الأيمن وأخرى على شقه الأيسر؟ وثالثة على وسطه؟ من غير تعميم للرأس بكل واحدة.
(1676 - 138) فقد رواه الشيخان من طريق القاسم،
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب، فأخذ بكفه، بدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه. هذا لفظ مسلم
(2)
.
ولفظ البخاري: «فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر فقال بهما على وسط رأسه» . ورواه مسلم.
قال القرطبي كما في المفهم: «ولا يفهم من هذه الثلاث حفنات أنه غسل رأسه ثلاث مرات؛ لأن التكرار في الغسل غير مشروع، لما في ذلك من المشقة، وإنما كان ذلك العدد؛ لأنه بدأ بجانب رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم على وسط رأسه كما في حديث عائشة»
(3)
.
وتعقب ابن رجب كلام القرطبي في شرحه للبخاري: فقال عن كلامه «وهو خلاف الظاهر» قال: «والظاهر والله أعلم أنه يعم رأسه بكل مرة، ولكن يبدأ في الأولى بجهة اليمين، وفي الثانية بجهة اليسار، ثم يصب الثالثة على الوسطى»
(4)
.
والثلاث غرفات قد جاءت من حديث عائشة بدون تفصيل.
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (1/ 311).
(2)
البخاري (258) ومسلم (318).
(3)
المفهم (1/ 576).
(4)
شرح ابن رجب للبخاري (1/ 259).
(1677 - 139) فرواه البخاري: «ثم صب على رأسه ثلاث غرف بيديه»
(1)
.
ولفظ مسلم: «حفن على رأسه ثلاث حفنات»
(2)
.
(1678 - 140) وروى مسلم من طريق جبير بن مطعم قال:
ولفظ البخاري: «فأفيض على رأسي ثلاثًا» وأشار بيديه كلتيهما
(3)
.
وهل هناك فرق بين المرأة والرجل؟
(1679 - 141) روى البخاري، قال: حدثنا خلاد بن يحيى، قال: حدثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا إذا أصاب إحدانا جنابة أخذت بيديها ثلاثًا فوق رأسها، ثم تأخذ بيدها على شقها الأيمن وبيدها الأخرى على شقها الأيسر
(4)
.
(5)
.
وهذا الاستدلال لا يسلم إلا بعد التسليم أن قول الصحابي: (كنا نفعل) ولم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن له حكم الرفع.
قال في الفتح: «وللحديث حكم الرفع؛ لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك،
(1)
صحيح البخاري (248).
(2)
صحيح مسلم (316).
(3)
البخاري (254)، ومسلم (327).
(4)
صحيح البخاري (277).
(5)
شرح البخاري لابن رجب (1/ 260).
وهو مصير من البخاري إلى القول بأن لقول الصحابي: (كنا نفعل كذا) حكم الرفع سواء صرح بإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم أم لا. وبه جزم الحاكم»
(1)
.
وقد عرضت أقوال الأصوليين في قول الصحابي: (كنا نفعل) عند الكلام على الصفرة والكدرة، فارجع إليه.
فإن سلمت دعوى أن لها حكم الرفع كان في غسل رأس المرأة صفتان: تارة بثلاث غرفات، وتارة بخمس حفنات، وإن كان قول الصحابي:(كنا نفعل) موقوفًا عليه فإن الثلاث مقدمة على الخمس؛ لأن الثلاث صريحة بالرفع.
(1680 - 142) فقد روى مسلم من طريق عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة،
عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين
(2)
.
(1681 - 143) وروى مسلم من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي الزبير عبيد ابن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت:
يا عجبًا لابن عمرو هذا! يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات
(3)
.
فهذان الحديثان صريحان بالرفع، وأن المقدار للرأس ثلاث غرفات كالرجل.
(1682 - 144) وأما ما رواه أحمد
(4)
، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا
(1)
في شرحه لحديث (277).
(2)
صحيح مسلم (330).
(3)
صحيح مسلم (331).
(4)
المسند (6/ 188).
زائدة، عن صدقة (رجل من أهل الكوفة)، حدثنا جميع بن عمير
(1)
، حدثني عبد الله بن ثعلبة، قال: دخلت مع أمي وخالتي على عائشة فسألت إحداهما: كيف كنتن تصنعن عند الغسل؟ فقالت عائشة:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات، ونحن نفيض على رؤوسنا خمسًا من أجل الضفر.
[ضعيف]
(2)
.
(1)
في المطبوع: جميع بن نمير، وهو خطأ.
(2)
في إسناده صدقة وشيخه جميع بن عمير، ضعفيان.
أما جميع بن عمير فلم يوثقه إلا العجلي، وقال أبو حاتم: محله الصدق، صالح الحديث، هذا أحسن ما قيل فيه،
وقد قال البخاري: فيه نظر. التاريخ الكبير (2/ 242)، وهذا منه جرح.
وقال ابن عدي: وما قاله البخاري كما قاله، في أحاديثه نظر، ثم قال: وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد، على أنه قد روى عنه جماعة. الكامل (2/ 166).
وذكره ابن حبان في المجروحين (1/ 218) قال: «وكان رافضيًا، يضع الحديث، وساق بسنده إلى ابن نمير قوله: جميع بن عمير من أكذب الناس، وكان يقول الكراخي تفرخ في السماء ولا تقع فراخها» . ثم عاد ابن حبان وذكره في الثقات (4/ 115)! !
قال الذهبي: واهٍ. الكاشف (810)، وقال في المغني: وأحسبه صادقًا، وقد رماه بعضهم بالكذب. المغني (1/الترجمة 1178).
وفي التقريب: صدوق يخطئ ويتشيع. وانظر معرفة الثقات للعجلي (1/ 272)، والكامل
لابن عدي (2/ 166).
وأما صدقة بن سعيد الحنفي فلن يوثقه إلا ابن حبان. الثقات (6/ 466).
وقد قال فيه البخاري: عنده عجائب. تهذيب التهذيب (4/ 364).
وقال الساجي: ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم: شيخ. الجرح والتعديل (4/ 430).
وفي التقريب مقبول، يعني في المتابعات.
وقال الذهبي: صدوق. الكاشف (2383).
والحديث أيضًا رواه أحمد كما في إسناد الباب، وأبو داود (241) عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا زائدة.
وأخرجه ابن ماجه (574) من طريق عبد الواحد بن زياد، كلاهما عن صدقة بن سعيد الحنفي به.
فهذا الحديث مع ضعفه، وكونه ليس صريحًا في الرفع، وصيغته مختلف فيها هل تكون مرفوعة أو موقوفة، إلا أنه يشهد له ما رواه البخاري عن عائشة
(1)
.
* * *
(1)
صحيح البخاري (277).