الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرع
إذا انقطع الدم عن الكبيرة ثم عاد
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
- كل امرأة لا يمكن حملها لهرمها فما تراه من الدم بعد انقطاعه لا يكون حيضًا.
- الآيسة والصغيرة التي لا يمكن حملها لا يحيضان.
- كل امرأة لا يمكن أن تحمل إما لصغرها، وإما لهرمها، فما تراه من الدم لا يمكن أن يكون حيضًا.
[م-687] إذا انقطع الدم عن المرأة الكبيرة لكونها كبيرة، ودام انقطاعه سنوات ثم عاودها الدم فما الحكم؟
الجواب: إذا كانت صفرة أو كدرة فلا تلتفت إليه؛ لأن الصفرة والكدرة في سلطان الحيض وزمانه، ووقت نزول العادة حيض، أما هذه فقد يئست، كما أن الدم إن كان مجرد قطعة من الدم لم يكن متصلًا فكذلك لا تلتفت إليه؛ لأن ذلك ربما كان ناتجًا عن حمل المرأة شيئًا ثقيلًا نزل على أثره قطعة من الدم. فإن كان الدم جاريًا، ولا تعلم له سبب، فقد اختلف العلماء هل يكون دم فساد مثله مثل من به سلس بول، أو يكون حيضًا؟ والأقوال لا تخرج عن ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه دم فساد، يكون حكمه حكم من به حدث دائم، فلا تترك الصلاة والصيام، وهذا أحد القولين في مذهب المالكية، وبه قال أحمد وإسحاق.
قال أحمد في المرأة الكبيرة ترى الدم: لا يكون حيضًا، هو بمنزلة الجرح، وإن اغتسلت فحسن
(1)
، فلم يجعل حكمها كحكم الاستحاضة، وذلك بالعمل بالتمييز، أو العادة؛ لأنه لا يرى أن يتأتى منها الحيض، وهي بهذا السن.
وقال ابن رشد: «وأما العجوز التي لا يشبه أن تحيض، فما رأت من الدم حكم له بأنه دم علة وفساد؛ لانتفاء الحيض مع الكبر، كما ينتفي مع الصغر»
(2)
.
- وجه القول بأنه دم فساد:
أنه دم امرأة لا يمكن أن تحمل، فلم يمنع الصلاة والصيام.
قال إسحاق: حكمها حكم المستحاضة إذا جاوزت الخمسين؛ لأنها لا تلد بعد الخمسين أبدًا
(3)
.
وهذا التعليل لا يبعد من جهة الطب، ذلك أن الحيض هو جدار يبطن به الرحم استعدادًا لتخصيب البويضة، حتى تعلق به، ومن ثم ينمو الجنين وتتكون المشيمة، كما سيأتي بيانه عند الكلام كيف تحيض المرأة، وما دام أن المرأة لا يمكن أن تحمل، فلا يمكن أن تحيض.
القول الثاني:
إن كان الدم على صفة دم الحيض، فإنه حيض، اختاره بعض المالكية، ورجحه ابن حزم، وابن تيمية
(4)
.
(1)
يتفق المالكية بأن الدم إذا عاد على الكبيرة فإنه لا عبرة به في العدة، واختلفوا به في العبادة على قولين، هذا أحدها. انظر المنتقى للباجي (1/ 125)، المقدمات الممهدات (1/ 30)، المغني (1/ 447)، وانظر مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (756).
(2)
المقدمات (1/ 30).
(3)
مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (756).
(4)
المنتقى للباجي (1/ 125)، المحلى لابن حزم، مسألة (265)، مجموع الفتاوى (19/ 24).
وجه هذا القول:
بأن كل دم يحمل صفات دم الحيض فهو حيض.
ولأن الطهر لا حد له، فقد يطول بالمرأة حتى تظن أنها آيسة، وبعود الدم تبين أنها لم تكن كذلك.
ولأن الله أخبر عن الحيض بأنه أذى، فإذا وجد الأذى فقد وجد الحيض.
قال في المحلى: «وإن رأت العجوز المسنة دمًا أسود فهو حيض مانع من الصلاة والصوم والطواف والوطء، برهان ذلك قوله صلى الله عليه وسلم -الذي ذكرناه قبل بإسناده-:(إن دم الحيض أسود يعرف).
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأته بترك الصلاة، وقوله عليه السلام في الحديث:(هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) فهذا دم أسود، وهي من بنات آدم، ولم يأت نص ولا إجماع بأنه ليس حيضًا، كما جاء به النص في الحامل، فإن ذكروا قول الله عز وجل (وَاللَاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) [الطلاق: 4]. قلنا: إنما أخبر الله تعالى عنهن بيأسهن، ولم يخبر تعالى أن يأسهن حق قاطع لحيضهن، ولم ننكر يأسهن من الحيض لكن قلنا: إن يأسهن من الحيض ليس مانعًا من أن يحدث الله تعالى لهن حيضًا، ولا أخبر تعالى بأن ذلك لا يكون ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَاّتِي لا يَرْجُونَ) [النور: 60]. فأخبر تعالى أنهن يائسات من النكاح، ولم يكن ذلك مانعًا من أن ينكحن بلا خلاف من أحد، ولا فرق بين ورود الكلامين من الله تعالى من اللائي يئسن من المحيض، واللائي لا يرجون نكاحًا، فكلاهما حكم وارد في اللواتي يظنن هذين الظنين، وكلاهما لا يمنع مما يئسن منه من المحيض والنكاح»
(1)
.
وقال ابن تيمية: «إذا انقطع دمها ويئست من أن يعود، فقد يئست من المحيض،
(1)
المحلى (مسألة: 265).
ولو كانت بنت أربعين، فإذا تربصت وعاد الدم، تبين أنها لم تكن آيسة»
(1)
.
ودليل آخر أن الله سبحانه وتعالى علق أحكام الحيض على وجوده، فقال سبحانه وتعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ)[البقرة: 222]. فإذا وجد الأذى وجد حكمه، ولا فرق بين كونه يتقدمه طهر طويل، أو طهر قصير، ما دام أن هذا الدم له لون دم الحيض، ورائحته النتنة التي تعرفها المرأة من عادتها.
القول الثالث:
لا نحكم له بأنه حيض حتى يتكرر ثلاث مرات، وقد جاء في مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله «سألت أبي عن امرأة قد أتى عليها نيف وخمسون سنة، ولم تحض منذ سنة، وقد رأت منذ يومين دمًا ليس بالكثير، ولكنها إذا استنجت رأته، ولم تفطر، ولم تترك الصلاة. ما ترى لها؟
فقال أبي: لا تلتفت إليه، تصوم وتصلي، فإن عاودها بعد ذلك مرتين أو ثلاثًا فهذا حيض، وقد رجع تقضي الصوم. قلت: فالصلاة؟ قال: لا»
(2)
.
* * *
(1)
مجموع الفتاوى (19/ 24)
(2)
مسائل الامام أحمد، رواية ابنه عبد الله (ص: 46).