الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أكمل أحواله، مستور العورة، متجنبًا للنجاسة، نظيف الأعضاء وضيئها، وهذا حاصل بإتيانه بهذه الأفعال، نواها أو لم ينوها، يوضحه أن الوضوء غير مراد لنفسه، بل مراد لغيره، والمراد لغيره لا يجب أن ينوى؛ لأنه وسيلة. وإنما تعتبر النية في المراد لنفسه إذ هو المقصود المراد
(1)
.
ونوقش:
كون الطهارة من الحدث وسيلة للعبادة لا يكفي في عدم اشتراط النية، ذلك أن الوسائل قسمان: وسيلة لغيره، وهي مقصودة بنفسها كالوضوء، ووسيلة ليست مقصودة لذاتها كإمرار الموسى على رأس الأقرع عند التحلل، فما كان من الأول وجبت له النية بخلاف الثاني فإنه غير مشروع على الصحيح.
وقياس طهارة الحدث على طهارة الخبث لا يصح، كما تقدم، ولهذا تجد سبب الحدث ليس مرتبطًا في محل طهارة الحدث، فالبول والغائط سبب للحدث، ومحلهما الفرج قبلًا كان أو دبرًا، والطهارة من الحدث متعلقة بأربعة أعضاء، ليس منها ما هو سبب للحدث.
وأما طهارة الخبث فهي معقولة المعنى، ومحل التطهير متعلق بمحل الخبث، لهذا كانت النية ليست شرطًا فيها.
دليل من قال: النية شرط في طهارة التيمم دون طهارة الماء:
أما أدلتهم في أن النية ليست شرطًا في طهارة الماء فذكرتها فيما سبق.
وأما وجه التفريق بين التراب وطهارة الماء، فذكروا وجوهًا منها:
الأول: أن التيمم في اللغة: القصد، وذلك يدل على اشتراط النية فيه، بخلاف الوضوء والغسل، فإن النية قدر زائد على مرور الماء على الأعضاء المغسولة، فإذا جرى الماء على أعضاء الوضوء، أو عم الماء جميع البدن فيصدق عليه أنه امتثل الأمر الشرعي
(1)
بدائع الفوائد (3/ 178).
بقوله: (فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)[المائدة: 6].
وقوله: (وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)[المائدة: 6].
فهذا الأمر تحصيله لا يتوقف على النية.
الثاني: الماء مطهر بنفسه، فلم يفتقر إلى قصد فإذا وجدت النظافة به على أي وجه كان فقد حصل المقصود، بخلاف التراب فإنه ملوث، وإنما جعل طهارة عند الحاجة، والحاجة إنما تعرف بالنية.
ويجاب عن هذا بجوابين:
الأول: أن يقال: وكذلك التراب ملوث بنفسه، فلم يفتقر إلى قصد، فإذا وجد التلوث به على أي وجه كان فقد حصل المقصود.
الوجه الثاني: لا نسلم أن التراب غير مطهر، فإنه قد ثبت أنه مطهر للحدث والخبث معًا،
فالدليل على أنه مطهر من الأحداث قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)[المائدة: 6].
فنص على أن الغاية من مشروعية التيمم إرادة التطهير مع نفي الحرج عن هذه الأمة.
ومن السنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر (وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل
…
) الحديثَ، والحديث رواه مسلم، واللفظ للبخاري
(1)
.
(1)
صحيح البخاري (335).
فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن الأرض جعلت طهورًا للمسلم.
فهذا دليل على أن التراب مطهر للحدث، وأما طهارة الخبث بالتراب فذلك مثل الاستجمار، ومثل طهارة النعل بالتراب، وطهارة ذيل المرأة بمروره على تراب طاهر، فالقول بأن التراب غير مطهر مخالف لنصوص الكتاب والسنة، والتفريق بين الوضوء والتيمم، فلا تجب النية في طهارة الوضوء، وتجب النية في طهارة التيمم تفريق بين ما جمع الله سبحانه وتعالى، فقد جمع بينهما في آية المائدة، ذاكرًا سبحانه وتعالى الوضوء بقوله:(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) إشارة إلى النية، وقال في التيمم (فَتَيَمَّمُوا) إشارة إلى قصد الصعيد، فمن فرق بينهما فقد فرق بين ما جمع الله، وقوله في غاية الضعف.
الراجح:
أن النية شرط في طهارة الحدث مطلقًا، سواء كان بالماء أو بالتراب، وليست شرطًا في طهارة الخبث، فإذا زال الخبث ولو بنفسه فقد طهر المحل، والله أعلم.
* * *