الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وأجيب:
بأن أحاديث نهي الجنب ليست قوية أيضًا، وعلى التسليم بصحتها فهي مجرد فعل من النبي صلى الله عليه وسلم، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، والرسول صلى الله عليه وسلم قد كره ذكر الله إلا على طهارة عندما تيمم لرد السلام، فهل يقال: باشتراط الطهارة لرد السلام. ثم إن قولكم: إن الحيض قد يطول، ولا يملك الإنسان رفعه، فهذا ليس دليلًا؛ لأن القراءة إن كانت حرامًا عليها فلا يبيحها لها طول أمدها، وإن كانت حلالًا فلا معنى للاحتجاج بطول المدة، وقد يندفع هذا المحذور بتذكر القرآن بالقلب، وهو غير ممنوع، وإذا أبحتم القراءة للحائض، وهي أشد حدثًا من الجنب؛ لأن الحائض تمنع مما يمنع منه الجنب وزيادة، كالوطء والصوم، إذا جاز مع ذلك القراءة للحائض، جاز للجنب من باب أولى، وأما ما نقل عن الصحابة، فلا حجة فيه مع اختلافهم، فابن عباس لا يرى مانعًا من قراءة الجنب للقرآن.
•
دليل من أذن في قراءة الآية والآيتين:
(1758 - 219) استدلوا بما جاء في حديث أبي سفيان الطويل في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل الروم، رواه البخاري من طريق شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره،
أن أبا سفيان بن حرب أخبره، أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، وفي آخر الحديث: قال: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 64]، الحديث. ورواه مسلم
(1)
.
ورواه ابن حزم، وقال:«بعض الآية، والآية قرآن بلا شك، ولا فرق بين أن يباح له آية، أو أن يباح له أخرى، أو بين أن يمنع من آية أو يمنع من أخرى»
(2)
.
وقال ابن رجب: «وأما الاستدلال بحديث الكتاب إلى هرقل فلا دلالة فيه؛ لأنه إنما كتب ما تدعو الضرورة إليه للتبليغ»
(3)
.
(4)
.
وقد يقال: إن ذكر الآية يحتمل أن يكون من باب الاقتباس، فهل أراد الرسول صلى الله عليه وسلم الاقتباس؛ لأنه معلوم أن الإنسان إذا نطق لفظًا ولم ينو به قرآنًا لم يكن له حكم القرآن، كما لو قال: بسم الله الرحمن الرحيم، أو قال: الحمد لله، أو قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. إلخ أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل نزول الآية، فوافق لفظه لفظها لما نزلت. أو أنه قال ذلك امتثالًا لأمر الله، والذي يؤيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن ذلك من كلامه زيادة الواو في الآية فإنها ليست من القرآن، وقد يكون للواو توجيه آخر لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد بذلك القرآن، وليس هذا محل ذكرها.
وقد اختلف العلماء في تمكين الكافر من تلاوة القرآن.
(1)
البخاري (7)، ومسلم (1773).
(2)
المحلى (مسألة: 116).
(3)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 49).
(4)
فتح الباري (1/ 58).
(1)
.
هذه أدلة الأقوال، والراجح -والله أعلم- القول بجواز القراءة مطلقًا للحائض والجنب، وهو مذهب البخاري كما أسلفنا، واختاره ابن المنذر، وقال تعليقًا على حديث عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، قال:«الذكر قد يكون بقراءة القرآن، وقد يكون بغيره، فكل ما وقع عليه اسم ذكر الله فغير جائز أن يمنع منه أحد إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمتنع من ذكر الله على كل أحيانه، وحديث علي لا يثبت إسناده؛ لأن عبد الله بن سلمة تفرد به، وقد تكلم فيه عمرو بن مرة، قال: سمعت عبد الله بن سلمة، وإنا لنعرف وننكر، فإذا كان هو الناقل لخبره، فجَرَحَه، بطل الاحتجاج به، ولو ثبت خبر علي لم يجب الامتناع من القراءة من أجله؛ لأنه لم ينه عن القراءة، فيكون الجنب ممنوعًا منه»
(2)
.
* * *
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 49).
(2)
الأوسط (2/ 100).