المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إخفاق سفارة المشركين: - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: ‌إخفاق سفارة المشركين:

‌إخفاق سفارة المشركين:

وروى أحمد وغيره بسند حسن عن أم سلمة ابنة أبي أميّة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:

لمَّا نزلنا بأرض الحبشة، جاورنا بها خير جار، النجاشيّ، أمِنّا على ديننا، وعبدْنا الله لا نُؤذَى، ولا نسمع شيئاً نكرهه، فلمّا بلغ ذلك قريشاً، ائْتَمَرُوا أن يبعثوا إِلى النجاشيّ فينا رجلين جلْدَين، وأن يُهْدُوا للنجاشيّ هدايا مما يستطرف من متاع مكّة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إِليه الأَدَم، فجمعوا له أدَماً كثيراً، ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إِلا أهْدَوْا له هديّةً، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائل السّهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إِلى كلّ بطريق هديّته قبل أن تكلّموا النجاشيّ فيهم، ثم قدّموا للنجاشيّ هداياه، ثم سلوه أن يُسلمهم إِليكم قبل أن يكلّمهم!

قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، ونحن عنده بخير داره وعند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إِلا دفعا إِليه هديّته قبل أن يكلّما النجاشيّ، ثم قالا لكل بطريق منهم: إِنه قد صَبَا إِلى بلد الملك منّا غلمانٌ سفهاءُ، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع، لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إِلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردَّهم إِليهم، فإِذا كلّمْنا الملك فيهم، فتُشيروا عليه بأن يسْلمهم إِلينا، ولا يكلِّمهم، فإِن قومهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم!

ص: 1269

ثم إِنهما قرّبا هداياهم إِلى النجاشيّ فقبلها منهما، ثم كلّماه، فقالا له: أيها الملك، إِنه قد صبا إِلى بلدك منا غلمان سفهاءُ، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثَنَا إِليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، وأعمامهم، وعشائرهم، لتردَّهم إِليهم، فهم أعلى بهم عَيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه، قالت: ولم يكن شيء أبْغض إِلى عبد الله بن ربيعة وعمرو بن العاص، من أن يسمع النجاشيّ كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صَدَقوا أيّها الملك، قومهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمْهم إِليهما، فليرُدّاهُم إِلى بلادهم وقومهم، فقالت: فغضب النجاشي، ثم قال: لا هَيْم (1) الله إِذاً لا أُسلمهم إِليهما، ولا أكاد قوماً جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهُم ما يقول هذان في أمرهم، فإِن كانوا كما يقولان، أسْلَمتهم إِليهما وردَدْتُهم إِلى قومهم، وإِن كانوا على غير ذلك، مَنعْتُهم منهما، وأحسنْتُ جوارهم ما جاوروني!

قالت: ثم أرسل إِلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلمّا جاءهم رسوله، اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إِذ اجئتموه؟ قالوا: نقول والله! ما علمنا، وما أمرنا به نبيّنا صلى الله عليه وسلم، كائنٌ في ذلك ما هو

(1) قال في اللسان: العرب تقول: ايم الله وهيم الله، الأصل: ايمن الله، وقلبت الهمزة هاء، فقيل: هيم الله، وقال الجوهري وأيمن الله: اسم وضع للقسم هكذا بضم الميم والنون، وألفه ألف وصل عند أكثر النحويّين، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير: ايْمُنُ الله قسمي .. وفي رواية ابن إسحاق عند ابن هشام: لاها الله إذاً. قال الجوهري: الصحاح: (ها) للتنبيه، وقد يقسم بها، يقال: لاها الله ما فعلت كذا .. انظر أحمد: 3: 264 - 265 مؤسسة الرسالة.

ص: 1270

كائن، فلما جاءوه، وقد دعا النجاشيّ أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم، فقال: ما هذا الدّين الذي فارقْتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا دين أحدٍ من هذه الأمم؟!

قالت: فكان الذي كلّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضعيف، فكنّا على ذلك، حتى بعث الله إِلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافَه، فدعانا إِلى الله لنوحِّده ونعبَده، ونخلَعَ ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان!

وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحُسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة!

وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام -قالت: فعدّد عليه أمور الإِسلام- فصدّقناه، وأمنّا به، واتبعناه على ما جاء به!

فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئاً، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحلَلْنا ما أحلّ لنا، فَعَدَا علينا قومنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا، ليرُدُّونا إِلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلّ ما كنا نستحلّ من الخبائث، فلمّا قهرونا وظلمونا، وشقُّوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إِلى بلدك، واخترناك على مَن سواك، ورغِبنا في جوارك، ورجَوْنا أن لا نُظْلم عندك أيّها الملك!

ص: 1271

قالت: فقال له النجاشيّ: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نَعَم، فقال له النجاشي: فاقْرَأْ عليّ، فقرأ عليه صدْراً من {كهيعص} قالت: فبكى، والله! النجاشيّ حتى أخضل لْحيته، وبكتْ أساقفته، حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال له النجاشي: إِن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله! لا أسلمهم إِليكم أبداً، ولا أكاد!

قالت أم سلمة: فلمّا خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله! لأنبئنّه غداً عَيْبَهم عنده، ثم أستأصِل به خضراءهم، قالت: فقال له عبد الله ابن أبي ربيعة، وكان أتْقَى الرجلين فينا: لا تفعل، فإِن لهم أرحاماً، وإِن كانوا قد خالفونا، قال: والله! لأخبرنّه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد، قالت: ثم غدًا عليه الغد، فقال له: أيّها الملك: إِنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً، فأَرْسِلْ إِليهم فاسألهُمْ عما يقولون فيه، قالت: فأرسَل إِليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إِذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله! فيه ما قال الله وما جاء به نبيّنا، كائناً في ذلك ما هو كائن، فلمّا دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبيّنا: هو عبد الله ورسوله ورُوحه، وكلمته ألقاها إِلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشيّ يده إِلى الأرض، فأخذ منها غوداً، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العُودَ. فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإِن نَخَرْتُم والله! اذهبوا فأنتم سيومٌ بأرضي (والسُّيُوم: الآمنون) هَنْ سَبَّكُم غُرِّمَ، ثم من سبّكم

ص: 1272

غُرِّم، ثم من سبّكم غُرِّم، فما أحِبُّ أن لي دبْراً ذهباً وإِنِّي آذيت رجلاً منكم (والدّبر بلسان الحبشة: الجبل) رُدّوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله! ما أخذ الله منّي الرِّشْوة حين رَدَّ عليّ مُلكي، فآخُذَ الرَّشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه، قالت فخرجا من عنده مقْبوحين، مردوداً عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار!

قالت: فوالله! إِنا على ذلك إِذْ نَزَل به، يعني من يُنازعه في حُكمه، قالت: فوالله! ما علمنا حُزْناً قطّ كان أشدَّ من حُزن حَزِنّاه، عند ذلك، تخوّفاً أن يظهر ذلك على النجاشيّ، فيأتي رجل لا يعرف من حَقّنا ما كان النجاشيّ يعرف منه، قالت: وسار النجاشيّ وبينهما عرْض النّيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ رجلٌ يخرج حتى يحضر وقعة القوم، ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزّبير بن العوام: أنا، قال: وكان من أحدث القوم سِناً، قالت: فنفخوا له قِربةً، فجعلها في صدره، ثم سَبَح عليها، حتى خرج إِلى ناحية النيّل التي بها مَلْتَقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: ودعوْنا الله للنجاشيّ بالظّهور على عدوّه، والتمكين له في بلاده، واستَوْسَق عليه أمر الحبشة، فكنّا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة (1).

(1) أحمد: 1: 202 بسند حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير محمد بن إسحاق، فقد روى له مسلم متابعة، وهو صدوق حسن الحديث، إلا أنه مدلس وقد صرح هنا بالتحديث. وابن هشام: 1: 357 - 362، وأبو نعيم: الدلائل: 2: 301 - 304 من طريق يونس ابن بكير. وقسماً منه الطبراني (1479)، وقوله:(هو روح الله وكلمته) قال السهيلي: كلمته: أي قال له كما قال لآدم حين خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون، ولم يقل: فكان، لئلا يتوهّم وقوع الفعل بعد القول بيسير، وإنما هو واقع للحال، فقوله:(فيكون) مشعراً بوقوع =

ص: 1273