الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - بين الصهيونية والصليبيّة:
ويطالعنا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} (المائدة)!
وقوله جلّ شأنه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)} [المائدة: 68]!
وقد صدّق الواقع التاريخي ما حذّر الله الأمّة المسلمة إياه، من اليهود والنصارى سواء!
وإذا كان الواقع التاريخي قد حفظ لليهود وقفتهم النكرة للإسلام منذ اليوم الأوّل لهذا الدّين القيّم، في صورة كيد لم ينته ولم يكف حتى اللحظة الحاضرة!
وإذا كان اليهود لا يزالون يقودون الحملة ضد الإِسلام في كل أرجاء الأرض اليوم في حقد خبيث وكيد لئيم .. فإن هذا الواقع قد حفظ كذلك للنصارى الصليبييّن أنهم اتخذوا من الإِسلام موقف العداء منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي- في هذه الدراسات تحت عنوان: (الرسول صلى الله عليه وسلم والنصارى وجهاً لوجه)!
وحسبنا أن نذكر موقف العداء منذ واقعة (اليرموك) -كما سجل التاريخ-
بين جيش المسلمين وجيوش الروم- فيما عدا الحالات التي وقع فيها ما تصفه الآيات التي نحن بصددها فاستجابت قلوب للإسلام ودخلت فيه، وفيما عدا حالات أخرى آثرت فيها طوائف من النصارى أن تحتمي بعدل الإِسلام من ظلم طوائف أخرى من النصارى كذلك، يلاقون من ظلمها الوبال!
أما التيّار العام الذي يمثل موقف النصارى جملة فهو تلك الحروب الصليبية التي لم يخب أوارها قط -إلا في الظاهر- منذ التقى الإِسلام والرومان على ضفاف اليرموك!
لقد تجلّت أحقاد الصليبيّة على الإِسلام وأهله في الحروب الصليبيّة المشهورة طوال قرنين من الزمان .. كما تجلّت في حروب الإبادة التي شنّتها الصليبيّة على الإسلام والمسلمين في الأندلس .. ثم في حملات الاستعمار والتبشير على الممالك الإسلاميّة في إفريقيا أوّلاً ثم في العالم كله أخيراً!
ولقد ظلّت الصهيونيّة العالميّة والصليبيّة العالميّة حليفتين في حرب الإِسلام -على كل ما بينهما في أحقاد- ولكنهم كانوا في حربهم للإسلام كما قال عنهم العلم الخبير: {بَعْضهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} !
حتى مزّقوا دولة الخلافة الأخيرة، ثم مضوا في طريقهم ينقضون هذا الدّين عروة عروة، وبعد أن أجهزوا على عروة (الحكم) ها هم أولاء يحاولون الإجهاز على الباقي!
ثم هاهم أولاء يعيدون موقف اليهود القديم مع المسلمين والوثنييّن، فيؤيّدون الوثنيّة حيثما وجدت ضدّ الدّين القيّم، عن طريق المساعدات المباشرة تارةً، وعن طريق المؤسسات الدوليّة التي يشرفون عليها تارةً أخرى! وليس الصراع بين الهند وباكستان على (كشمير) وموقف الصليبيّة منها ببعيد!
وذلك فوق إقامة واحتضان وكفالة الأوضاع التي تتولّى سحق حركات الإحياء والبعث الإِسلاميّة في كل مكان على وجه الأرض، وإلباس القائمين بهذه الأوضاع أثواب البطولة الزائفة، ودق الطبول من حولهم، ليستطيعوا الإجهاز على الإِسلام، في زحمة الضجيج العالمي حول الأقزام الذي يلبسون أردية الأبطال!
هذا موجز سريع لما سجّله الواقع التاريخي طوال أربعة عشر قرناً، من مواقف الصهيونيَّة والصليبيّة تجاه الدّين القيّم، لا فرق بين هذه وتلك، ولا افتراق بين هذا المعسكر وذاك في الكيد للإسلام، والحقد عليه، والحرب الدائبة التي لا تفتر على امتداد الزمان!
وهذا ما ينبغي أن يعيه الواعون اليوم وغداً، فلا ينساقوا وراء حركات التميّع الخادعة أو المخدوعة .. دون متابعة لتقريرات القرآن الكريم عامة، ودون متابعة للواقع التاريخي الذي يصدّق هذا كله .. ثم تتخذ من ذلك وسيلةً لتخدير مشاعر المسلمين تجاه المعسكرات التي تضمر لهم الحقد وتبيت لهم الكيد، الأمر الذي تبذل فيه هذه المعسكرات جهدها، وهي بصدد الضربة الموجهة إلى جذور العقيدة!
إن هذه المعسكرات لا تخشى شيئاً أكثر مما تخشى الوعي في قلوب العصبة المؤمنة، مهما قلّ عددها وعدّتها، فالذين ينيمون هذا الوعي هم أعدى أعداء هذه العقيدة، وقد يكون بعضهم من الفرائس المخدوعة، ولكن ضررهم لا يقلّ -حينئذ- عن ضرر أعدى الأعداء، بل إنه ليكون أشدّ ضرراً!