الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاثة أقوال:
وفي هذا ثلاثة أقوال:
القول الأوّل:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربّه ليلة المعراج، وقد روي -كما يقول عياض- (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رآه بعينه، ومثله عن أبي ذر، وكعب رضي الله عنهما، والحسن رحمه الله، وكان يحلف على ذلك، وحكي مثله عن ابن مسعود، وأبي هريرة، وأحمد بن حنبل، وحكى أصحاب المقالات عن أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه!
ووقف بعض مشايخنا في هذا، وقال: ليس عليه دليل واضح، ولكنه جائز، ورؤية الله تعالى في الدنيا جائزة، وسؤال موسى إيّاها دليل على جوازها، إذ لا يجهل نبيّ ما يجوز أو يمتنع على ربّه!
وقد اختلفوا في رؤية موسى ربّه في مقتضى الآية ورؤية الجبل، ففي جواب القاضي أبي بكر ما يقتضي أنهما رأياه!
وكذلك اختلفوا في أن نبيّنا صلى الله عليه وسلم كلّم ربّه سبحانه وتعالى ليلة الإسراء بغير واسطة أم لا؟!
فحكي عن الأشعري وقوم من المتكلّمين أنه كلّمه، وعزا بعضهم هذا إلى جعفر بن محمَّد، وابن مسعود، وابن عباس!
(1) مسلم بشرح النوويّ: 3: 4 - 5، بتصرف، وانظر: إكمال إكمال المعلم: 1: 326 - 327.
وكذلك اختلفوا في قوله تعالى:
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)} [النجم]!
فالأكثرون على أن هذا الدنوّ والتدلّي منقسم ما بين جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم، أو مختصّ بأحدهما من الآخر، ومن السدرة المنتهى!
وذكر عن ابن عباس، والحسن، ومحمد بن كعب، وجعفر بن محمَّد، وغيرهم: أنه دنوّ من النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ربّه سبحانه وتعالى، أو من الله تعالى!
وعلى هذا القول يكون الدنوّ والتدلّي متأوّلًا، ليس على وجهه، بل كما قال جعفر بن محمَّد، الدنوّ من الله تعالى لا حدّ له، ومن العباد بالحدود، فيكون معنى دنوّ النبيّ صلى الله عليه وسلم من ربّه سبحانه وتعالى، وقربه منه ظهور عظيم منزلته لديه، وإشراق أنوار معرفته عليه، وإطلاعه من غيبه وأسرار ملكوته، على ما لم يطلع سواه عليه!
والدنوّ من الله سبحانه له إظهار ذلك له، وعظيم بره وفضله العظيم لديه، ويكون قوله تعالى:
{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9]!
على هذا عن لطف المحل، وإيضاح المعرفة، والإشراف على الحقيقة من نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن الله إجابة الرغبة، وإبانة المنزلة، ويتأوّل في ذلك ما يتأوّل في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان وغيرهما عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند حسن ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرّب إليّ شبرًا تقرّبت إليه ذراعًا، وإن تقرّب إليّ ذراعًا تقرّبت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"(1).
قال النوويّ: وأما صاحب التحرير فإنه اختار إثبات الرؤية، قال:
والحجج في هذه المسألة وإن كانت كثيرة، ولكنا لا نتمسك إلا بالأقوى منها، وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
أتعجبون أن تكون الخلّة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم!
وعن عكرمة، سئل ابن عباس رضي الله عنهما: هل رأى محمَّد صلى الله عليه وسلم ربّه؟ قال: نعم، وقد روي بإسناد لا بأس به، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه:
رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه!
وكان الحسن يحلف: لقد رأى محمَّد صلى الله عليه وسلم ربّه!
(1) البخاري: 97 - التوحيد (7405)، وانظر (7505، 7537)، وخلق أفعال العباد (55)، ومسلم (2675)، وأحمد: 2: 251، 413، 480، 516، 517، 524، 534، والترمذي (3603)، وابن ماجه (3822)، والنسائيّ: الكبرى (7730)، وابن خزيمة: التوحيد: 6، 7، وابن حبّان (811، 812)، وأبو نعيم: الحلية: 9: 26 - 27، والبغويّ (1251).