المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌جواب الشكوى أمّا القصيدة الثانية للمفكر الإِسلامي المرحوم محمَّد إقبال (1) - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: ‌ ‌جواب الشكوى أمّا القصيدة الثانية للمفكر الإِسلامي المرحوم محمَّد إقبال (1)

‌جواب الشكوى

أمّا القصيدة الثانية للمفكر الإِسلامي المرحوم محمَّد إقبال (1) فهي جواب الشكوى، تخيّلها إقبال صوتاً سماويًّا يدوي بصيحة الحق، جواباً لهذه الشكوى التي تبدو في صرختها المتململة المضطربة كأنها خيال جائر لا يقوم على الحجّة والبرهان، ولا يستقرّ على دليل من الواقع!

قال إقبال: كل كلام يصدر عن القلب يترك أثره في القلوب، والأفكار الصادقة لا أجنحة لها، ولكنها تسبق الطيور، وكل كلام قدسي المنبع فهو أبداً يتجه إلى العلا، ومن عجيب أنه نجم من التراب، ومتى صعد كان أول منازله السحاب!

كان عشقي فاتناً ساحراً جموحاً، فشق ستار السماء بأنين لا يتهيّب، ولا يرتعد، ولمّا سمع شيخ السماء زفرات الشكوى والبكاء قال:(إنه في مكان ما كائن يتكلّم)، فتساءلت النجوم والسيارات في عجيب وإنكار وكيف اقترب هذا الكائن من بساط العرش الرفيع)، فقال القمر:(إنه إنس من أهل الأرض)، وقالت المجرّة:(عجبت لهذا الإنسان، كيف يستتر عن العيون، ويختفي عن المادة، خلف الظنون)!

هكذا كان الجميع يشتجرون في أمري، فلا يهتدون، ولئن كان من بينهم من فهم الشكوى، وعرف النجوى، فهو رضوان .. إذ قال:

(إنه قوي العنصر، رفع الله مكانته، وأسجد له ملائكته)!

وسأل سائل: كيف تعلمتْ هذه القبضة من التراب أن تخترق من

(1) السابق: 89 وما بعدها تصرف.

ص: 1791

العناصر كل حجاب .. حقاً إن سكان الأرض المستخلصين فيها لمخلوقات جامعة .. !

هذا هو نفس آدم ما أقدره في علم الكيف والكم! ولكن ما أجهله بأسرار العجز والفناء!

وأخيراً دوى صوت تفزّعت له الجنبات، واخترق بجلجلته ذرات النيرات:

(يا هذا! إن قصتك محزنة شائكة، وقدحك مليء بدموع مضطربة حيرى، ولقد أطافت صيحتك بالسماوات، فما أبعد قلبك المجنون عن قرار السكون، ولكنك على كل حال أعلنت شكواك، فأثبت قدرة الخالق فيك)!

لقد مددنا بساط الكرم، فأين السائلون، ومهدنا الطريق إلى المجد، فأين السالكون!

لقد أنزلنا الأنوار على الفطر، ولكن الجواهر ظلت غير قابلة، وكأن هذا التراب ليس الذي جبلت منه البداية الأولى للإنسانية العالية!

إن الإنس كما ترى قد نسوا ناموس فطرتهم، وتغيّر ترابهم، ولو أنهم أدركوا سرّ خلْقهم، وحكمة وجودهم، لأعطوا فوق ما يطلبون، ونالوا من العظمة فوق ما ينشدون، ولكن الأداة أدركها الفساد، ومالت القلوب إلى الإلحاد .. !

وهؤلاء المتأخرون في هذه الأمّة قد أصبحوا خجلاً لماضيها، وتوهيناً لعظمتها!

ص: 1792

لقد انقرض الذين هدموا الأصنام وجعلوها جذاذاً تحت الرغام .. أما هؤلاء فقد جدّدوا لها البنيان، وأصبحوا صنّاعها في هذا الزمان، كانوا هم أبناء إبراهيم، غير أنهم أقرب إلى آزر القديم!

الشارب والخمر جديدان، والدنّ أيضاً جديد، وها هي أصنام جديدة، تطبع الأجيال الحديثة على غرارها!

لقد انطوى عهد أولئك الذين لهم من سمات الجلال ما هو خليق بالدّلال .. إنهم كانوا مرآة متاع العظمة، وصفاء موسم الورود، وشقائق نعمان الصحراء، وأغنية أحلام البيداء!

ويومئذ تفانى كل مسلم في الله .. وكان يوم محمَّد المحبوب مهرجاناً للشعوب!

هل لكم في عهد جديد تكونون فيه عبيداً لله، وجنوداً لمحمد، وجواهر في عقد الملّة .. !.

أَنَّى وقد أصبح عسيراً عليكم، وثقيلاً على أجفانكم، أن تستقبلوا نور الصباح بتكبيرة صلاتكم، وصحو حياتكم، لكأن الطبائع قد نامت منع الأجفان، وما أشبه نهار المنام بليل الظلام!

أليس رمضان يقيّد حرّيتكم، ويخالف مدنيّتكم .. فاشهدوا على أنفسكم، أهذا هو الوفاء لماضيكم وملتكم؟!

إن وجود الشعب من وجود الملّة، والدّين في الأمّة هو قوام الدّولة، فإذا ذهب الدّين فما أنتم بباقين!

ص: 1793

الدّين هو الذي يجمعكم صفًا واحداً، ولولا التساند بين الكواكب لم ينعقد حفل النجوم، ولم يسطع جمال القمر الساحر!

من هؤلاء الذين ضاعت علومهم وفنونهم من الدّنيا؟!

ومن أولئك الذين لا يبالون أن يعيشوا بلا مأوى؟

بل ما هذا البيدر الذي لم تجد الصواعق مكاناً تستقرّ فيه نيرانها سواء؟!

تم مَن هؤلاء الذين يبيعون تركة الآباء، ويحاولون الشهرة بتجارة القبور؟!

لعلكم تستطيعون بأنفسكم أن تدركوا الجواب عما تسألون، فأيّ هذه الحقائق تنكرون؟

ومن أولئكم الأبرار الأخيار الذين محوا الأباطيل من صحائف الأجيال والأمصار؟!

مَن الذين حرّروا شعوب الإنسانيّة من الذل؟!

من الذين عمروا الكعبة بجباههم؟

ومن الذين ضَمُّوا القرآن إلى صدورهم؟!

أليسوا آباءكم وأجدادكم، وقد بقيتم بعدهم تضعون يداً على يد، وترتقبون ما يأتيكم به الغد؟!

لقد وُعد المسلمون جمال الحور، ونعيم القصور، ووعدوا خلافة الأرض، وأن تدين لهم الدنيا بكنوزها، والأرض بخيراتها، والسماء بنجومها، وملائكتها، والآخرة بجنّاتها ونعيمها!

ص: 1794

ها هي الدنيا قد أفلتت من أيديكم؛ لأن أيديكم قد أصبحت طليقة من سنن الفطرة، ومن عروة الدّين، أليس ربكم هو الذي يقيم العدل والحق، وهو أحكم الحاكمين؟

أكنتم تنتظرون أن يعمل أعداؤكم في الأرض، وأن يتخلقوا بأخلاق أسلافكم في الجهاد، وينفقوا أوقاتهم في الزراعة، ثم يحرموا الحصاد؟!

ولقد سار الكافر في طريق المسلم الأوّل فأعطي حظاً من الدنيا، ولكنكم لا تنشدون اليوم محاسن الحور ولا كنوز القصور!

ألا لقد بقي تجلّي النور، ولكن ذهب الكليم من الطور!

إن أمر المسلمين في الخسارة والربح واحد، والذي يقع لأقصاهم ينال أدناهم .. أليس نبي الجميع واحداً. وكذا الدّين والإيمان والحرم والقرآن؟!

وإلهكم إله واحد، فهل كان من الصعب أن تحيوا متّحدين؟

نار العصبية هنا، وجذوة الجنسيّة هنالك .. فحدّثوني عن قوم أدركوا نجاحهم بالفراق، ونالوا سعادتهم بالشقاق!

لقد تركتم القرآن، وجعلتم مقياس رقيّكم صلاحية الزمان، واتخذتم من المدنيّة كل شعار، واتبعتم سبيل الأغيار، فلم يبق في القلوب مذاق، ولا للوعة احتراق!

ها هي مساجد الله لا يعمرها غير فقرائكم، فهم الصائمون والمصلّون، وهم العابدون الذاكرون، وهم الساترون لعيوبكم، وأنتم ترحمون!

أمّا الأغنياء فهم في سكر غفلتهم معرضون!

ص: 1795

ومن عجيب أن الملّة البيضاء ما تزال قويمة البناء، ممتدّة النماء بحرارة أنفاس الفقراء!

ولقد فقدتم القوّة في سحر الكلام، ومررتم بالمواعظ مرّ الكرام، ولولا روح من بلال ما بقي للأذان جمال!

مساجدكم تبكي قلّة صفوفها، والمحراب موحش من المصلّين، والمنابر ساخرة من سيوف تحوّل حديدها إلى خشب لا يقاوم النار!

أما دياركم فقد امتلأت بالمفاخر والرتب والألقاب، الميرزا في إيران وفي غيرها الصاحب والخان، ولكننا ننشد رتبة المسلم في هذه الأوطان!

عندما كان المسلم ينهض إلى طلب المجد فكم اقتحم الصعاب، وعزمه غير هيّاب!! وكم كان عدله ميزاناً للصواب لم يلوّثه رياء، ولم يفسده دهاء، تخطى بشجاعته الأوهام، وفاق الأحلام!! .. كان خالياً من المقاصد الشخصيّة، والمتع النفسيّة، مثل الكأس المليئة بالشراب وشرابها لغيرها!

وكان المسلم مشرطاً لعروق الباطل، وكان العمل في قانون حياته هو الجوهر لا العرض، معتمداً على قوّة ساعده بعد ربّه .. وإذا كنتم تخافون الموت، فقد كان خوفه من الله الذي خلق الموت والحياة!

أين فيكم دولة عثمان ورفده؟! وفقر عليّ وزهده؟! وما الذي بقي لديكم من فضائل المسلمين الأوّلين، وتراث المؤمنين السابقين؟!

لقد أصبح بعضكم يبغي على بعض، بينما هم كانوا متراحمين! كم تخطئون وتغتابون الصالحين؟! وكم ستروا عيوب الخلق وهم أئمة المتقين؟!

ص: 1796

أيطمع كل امرئ منكم أن يبلغ أوج الثّريّا بلا عزم قويم، ولا قلب سليم؟!

لقد ملكوا عرش (كسرى) وسرير (كيقباد) وتاج (فخفور) وعظمة القياصر؟!

أما أنتم فقد اقتنيتم الكلام وأكثرتم الأوهام!

لقد كانوا حكّام أنفسهم قبل أن يكونوا حكّام الخلق!

وكانوا بناة الأخوّة والاتحاد في الأمّة، وأنتم تفقدون المودّة حتى في الأسرة!

كانت حياتهم عملاً، وأصبحت حياتكم أملاً، تبحثون عن الزهرة فلا تجدونها، أما هم فقد كان لهم من الدنيا بستانها، وصار لهم من الآخرة رضوانها، لا تزال الشعوب تؤلف من مجدهم الأنغام، ولا تزال عاطرة بذكرهم الأيام، فهم نجوم الآفاق ونور الأخلاق!

عاشوا أصواتهم أحرار القلوب، وبراهمة بيت المحبوب .. !

ابتعدوا عن الأوكار، وهجروا الدّيار، وأقاموا على النجوم المطار!

أمّا شباب اليوم فالعطلة والفقر والشقاء، وينسبون إلى الدّين ما لحقهم من بلاء .. ومنهم بليّتهم، ولكن لا يشعرون .. !!

لقد أطلقتهم المدنيّة من القوانين، فعاشوا مستهترين، صنعت لهم هيكل الصنم فألهتهم عن جلال الحرم .. فلم يبق قيس يحن إلى ليلى بين الشعاب .. بل يتمنّى في حرّية العشق أن يرى ليلى بغير حجاب، وأن يشهد جمالها بغير نقاب!

ص: 1797

هذا الشباب يستطيع لو شاء في عهد جديد أن يجدِّد قوّة الإيمان، وأن يحمل شعلة الهداية يوقدها من تعاليم خاتم الأنبياء والرسل، فتنشر في الربوع إيمان إبراهيم .. فالنار قد تحرق، وقد تنضج أيها الشاكي الولهان .. لا تحزن من رؤيةَ البستان، وقد فقد زاهي الألوان، فسرعان ما تلمع الأزهار من كواكب البراعم، ويتلألأ دم الشهداء على شفاه الورود .. ألا ترى السماء بلونها العنابي، أليس هذا لمعان الأفق يستقبل اليوم الجديد، ويستبشر بالشمس الطالعة!

انظر إلى الأرض .. هلا ترى قوماً يلتقطون الثمار، وآخرين في البوار!

ألا ترى مئات النخيل خاوية الأشجار، بينما مئات أخرى في باطن الأرض، في طريقها إلى ربيع الحياة، فلو سقيناها من تعاليم الملة السمحة لأينعت ونمت، فنخيل الإِسلام أنموذج للإثمار والنماء!

واستطرد إقبال يبيّن أن المسلم لا وطن له ولا مكان، ولن يفنى مسلم بفناء الأزمنة والأوطان، إذ لا علاقة بين الكأس وسكر الشراب، ولقد تعرّضت الأوطان الإِسلاميَّة لهجمات التتار، وما حدث من غوغاء إثر حملات البلقان، وكان كل ذلك امتحاناً لذاتية المسلم، فما ارتاع، ولكن بقي الإِسلام والمسلم في كل البقاع!

فلماذا إذن يرتاع مسلم اليوم من صهيل خيل الأعداء، ولن يطفئ ذلك نور الحق الوضاء!

فهيّا أظهر حقيقتك للأقوام والشعوب، فمحافل الأكوان في حاجة إليك ترنو إلى حرارة أنفاسك، ومضاء عزمك .. فلتتدفق دماؤك بالحرارة ليحيا الدهر في حماية دينك!

ص: 1798

إن خلافة الأرض لك فكن بها خليقاً .. وقم لتثبت وجودك فيتمّ بك نور التوحيد .. فإنك عطر، ولكن حبستك عن العالم براعم وزهرات .. فقم واحمل الأمانة في عنقك، وانشر أنفاسك، حتى تعطر نسيم البستان!

لا تكن كنغمة الأمول حبيسة الشواطئ، ولكن كن فيّاضاً بالعمل، وانشر جناحك حول الآفاق، وأنر الدهر بنور إيمانك، وأرسل الضياء بقوّة يقينك، وباسم نبيّك!

فلو لم يكن الزهر في البستان ما تغني قمري على الأغصان، وما صدحت العنادل بأعذب الألحان، ولو لم تبتسم البراعم بين الأوراق ما رأيت ابتسام الزهر في حديقة الدهر، ولو لم يكن اسم محمَّد لما نبض الوجود بالحرارة!

وإليك القصيدة:

* * *

كلام الروح للأرواح يسري

وتدركه القلوب بلا عناء

هتفت به فطار بلا جناح

وشق أنينه صدر الفضاء

ومعدنه ترابي ولكن

جرت في لفظه لغة السماء

ص: 1799

لقد فاضت دموع العشق مني

حديثاً كان علوي النداء

فحلق في ربا الأفلاك حتى

أهاج العالم الأعلى بكائي

* * *

تحاورت النجوم وقلن صوت

بقرب العرش موصول الدعاء

وجاوبت المجرة علّ طيفًا

سرى بين الكواكب في خفاء

وتمال البدر هذا قلب شاك

يواصل شدوه عند المساء

ولم يعرف سوى رضوان صوتي

وما أحراه عندي بالوفاء

ألم أك قبلُ في جنات عدن

فأخرجني إِلى حين قضائي

* * *

وقيل هو ابن آدم في غرور

تجاوز قدره دون ارعواء

ص: 1800

لقد سجدت ملائكة كرام

لهذا الخلق من طين وماء

يظن العلم في كيف وكم

وسرّ العجز عنه في انطواء

وملء كؤوسه دمع وشكوى

وفي أنغامه صوت الرَّجاء

فيا هذا لقد أبلغت شيئاً

وإِن أكثرت فيه من المراء

* * *

عطايانا سحائب مرسلات

ولكن ما وجدنا السائلينا

وكل طريقنا نور ونورٌ

ولكن ما رأينا السالكينا

ولم نجد الجواهر قابلات

ضياء الوحي والنور المبينا

وكان تراب آدم غير هذا

وإِن يك أصله ماء وطينا

ص: 1801

ولو صدقوا وما في الأرض نهر

لأجرينا السماء لهم عيونا

وأخضعنا لملكهم الثّريّا

وشيّدنا النجوم لهم حصونا

ولكن ألحدوا في غير دين

بني في الشمس ملك الأوّلينا

تراث محمَّد قد أهملوه

فعاشوا في الخلائق مهمَلينا

تولّى هادم الأصنام قدما

فعاد لها أولئك يصنعونا

أباهم كان إِبراهيم ولكن

أرى أمثال آزر في البنينا

وفي أسلافكم كانت مزايا

بكل فم لذكراها نشيد

تضوع شقائق الصحراء عطراً

بريّاها وتبسم الورود

ص: 1802

فهل بقيت محاسنهم لديكم

فيجعل في دلالكم الصدود

لقد هاموا بخالقهم فناء

فلم يكتب لغيرهم الخلود

وكوثر أحمدٍ منكم قريب

ولكن شوقكم عنه بعيد

وكم لاح الصباح سناً وبشرى

وأذَّنت القماري والطيور

وكبَّرت الخمائل في رباها

مصلِّيةً فجاوبها الغدير

ونوم صباحكم أبداً ثقيلٌ

كأن الصبح لم يدركه نور

وأضحى الصوم في رمضان قيداً

فليس لكم به عزمٌ صبور

تمدّن عصركم جمع المزايا

وليس بغائبٍ إِلا الضمير

ص: 1803

لقد ذهب الوفاء فلا وفاء

وكيف ينال عهدي الظالمينا

إِذا الإِيمان ضاع فلا أمان

ولا دنيا لمن لم يُحي دينا

ومن رضي الحياة بغير دينٍ

فقد جعل الفناء لها قرينا

وفي التوحيد للهمم اتحاد

ولن تبنوا العلا متفرقينا

تساندت الكواكب فاستقرت

ولولا الجاذبية ما بقينا

غدوتم في الديار بلا ديار

وأنتم كالطيور بلا وكور

وكل صواعق الدنيا سهام

لبيدركم وأنتم في غرور

أهذا الصقر في علم ومال

وأنتم في القطيعة والنفور

ص: 1804

وبَيع مقابر الأجداد أضحى

لدى الأحفاد مدعاة الظهور

سيعجب تاجرو الأصنام قدماً

إِذا سمعوا بتجار القبور

من المتقدّمون إِلى المعالي

على نهج الهداية والصواب؟

ومن جبهاتهم أنوار بيتي

وفي أخلاقهم يُتلى كتابي؟

أما كانوا جدودكم الأوالي

بناة المجد والفن العجاب؟

وليس لكم من الماضي تراث

سوى شكوى اللغوب والاكتئاب

ومن يك يومه في العيش يأساً

فما غده سوى يوم العذاب

أتشكو أن ترى الأقوام فازوا

بمجد لا يراه النائمونا

ص: 1805

مشوا بهدي أوائلكم وجدوا

وضيعتم تراث الأوّلينا

أيحرم عامل وِرد المعالي

ويسعد بالرّقيّ الخاملونا

أليس من العدالة أن أرضي

يكون حصادها للزارعينا

تجلّي النور فوق الطور باق

فهل بقي الكليم بطورسينا؟

ألم يبعث لأمّتكم نبيّ

يوحّدكم على نهج الوئام

ومصحفكم وقبلتكم جميعاً

منارٌ للأخوّة والسلام

وفوق الكلّ رحمان رحيمٌ

إِلهٌ واحدٌ رب الأنام

فما نهار ألفتكم تولّى

وأمسيتم حيارى في الظلام

ص: 1806

وحسن اللؤلؤ المكنون رهن

بصوغ العِقد في حسن النظام

وكيف تغيّرت بكم الليالي

وكيف تفرّقت بكم الأماني

تركتم دين أحمدَ ثم عدتم

ضحايا للهوى أو للهوان

رقي الشعب قد أضحى لديكم

تقرّره صلاحية الزمان

وكيف تقاس أوهام ولغو

بحكمة مُنزل السبع المثاني؟

أرى ناراً قد انقلبت رماداً

سوى ظلّ مريض من دخان

أرى الفقراء عباداً تقاةً

فياماً في المساجد راكعينا

هم الأبرار في صوم وفطر

وبالأسحار هم يستغفرونا

ص: 1807

وليس لكم سوى الفقراء ستر

يواري عن عيوبكم العيونا

أضلت أغنياءكم الملاهي

فهم في ريبهم يترددونا

وأهل الفقر ما زالوا كنوزاً

لدين الله رب العالمينا

أرى التفكير أدركه خمول

ولم تبق العزائم في اشتعال

وأصبح وعظكم من غير سحر

ولا نور يطل من المقال

وعند الناس فلسفة وفكر

ولكن أين تلقين (الغزالي؟)

وجلجله الأذان بكل أرض

ولكن أين صوت من (بلال؟)

منائركم علت في كل حيّ

ومسجدكم من العبّاد خالي

ص: 1808

فأين أئمّة وجنود صدق

تهاب شَباة عزمهم الحراب

إِذا صنعوا فصنعهم المعالي

وإِن قالوا فقولهم الصواب

مرادهم الإله فلا رياء

ونهجهم اليقين فلا ارتياب

لأمتهم وللأوطان عاشوا

فليس لهم إِلى الدنيا طلاب

كمثل الكأس نبصرها دهاقاً

وليس لأجلها صُنع الشراب

جهاد المؤمنين لهم حياة

ألا إِن الحياة هي الجهاد

عقائدهم سواعد ناطقات

وبالأعمال يثبت الاعتقاد

وخوف الموت للأحياء قبر

وخوف الله للأحرار زاد

ص: 1809

أرى ميراثهم أضحى لديكم

مضاعاً حيث قد ضاع الرشاد

وليس لوارث في الخير حظ

إِذا لم يحفظ الإِرث اتحاد

لأي مأثر القوم انتسبتم؟

لتكتسبوا فخار المسلمينا

فأين مقام ذي النورين منكم

ودولة عزه دنيا ودينا

وفقر عليٍّ الأوّاب هلاّ

ربحتم فيه كنز الفاتحينا

أقمتم في الذنوب وفي الخطايا

وتغتابون حتى الصالحينا

وهم ستروا عيوب الحلق فضلًا

وإِن كانوا أبرّ المتقينا

أريكة قيصر وسرير كسرى

قد احتميا بملكهم العميمِ

ص: 1810

وأنتم تطمحون إِلى الثّريّا

بلا عزم ولا قلب سليمِ

تضيعون الإِخاء وهم أقاموا

صروح إِخائهم فوق النجومِ

طلبتم زهرة الدنيا وعدتم

بلا زهر يضوع ولا شميمِ

وكان لديهم البستان محضاً

وهم أصحاب جنّات النعيمِ

يعيد الكون قصتهم حديثاً

وينشئ من حديثهم الفنونا

فكم نزحوا عن الأفكار شوقاً

إِلى التحليق فوق العالينا

ويأس شبابكم أدمى خطاهم

فظنوا فيه بالدين الظنونا

هي المدنية الحمقاء ألقت

بهم حول المذاهب حائرينا

ص: 1811

لقد صنعت لهم صنم الملاهي

لتحجب عنهم الحق الأمينا

لقد سئم الهوى في البيد قيس

ومل من الشكاية والعذاب

يحاول أن يباح العشق حتى

يرى ليلاه وهي بلا حجاب

يريد سفور وجه الحسن لما

رأى وجه الغرام بلا نقاب

فهذا العهد أحرق كل غرس

من الماضي وأغلق كل باب

لقد أفنت صواعقه المغاني

وعاثت في الجبال وفي الهضاب

هي النار المجديدة ليس يُلقى

لها حطب سوى المجد القديم

خذوا إِيمان إِبراهيم تنبت

لكم في النار روضات النعيم

ص: 1812

ويذكر من دم الشهداء ورد

سنيّ العطر قدسىّ النسيم

ويلمع في سماء الكون لون

من العناب مخضوب الأديمِ

فلا تفزع إِذا الرجان أضحى

عقوداً للبراعم والكرومِ

فكم زالت رياض من رباها

وكم بادتْ نخيل في البوادي

ولكن نخلة الإِسلام تنمو

على مر العواصف والعوادي

ومجدك في حمى الإِسلام باق

بقاء الشمس والسبع الشداد

وانك يوسف في أرض مصر

يرى كنعانه كل البلاد

تسير بك القوافل مسرعات

بلا جرس ولا ترجيع حادي

ص: 1813

ضياؤك مشرق في كل أرض

لأنك غير محدود المكان

بغت أمم التتار فأدركتها

من الإِيمان عاقبة الأمان

وأصبح عابدو الأصنام قدماً

حماة الحجر والركن اليمان

فلا تجزع فهذا العصر ليلٌ

وأنت النجم يشرق كل آن

ولا تخش العواصف فيه وانهض

بشعلتك المضيئة في الزمان

أعد من مشرق التوحيد نوراً

يتم به اتحاد العالمينا

وأنت العطر في روض المعاني

فكيف تعيش محتبساً دفينا

وأنت نسيمه فاحمل شذاه

ولا تحمل غبار الخاملينا

ص: 1814

وأرسل شعلة الإِيمان شمساً

وصغ من ذرةٍ جبلاً حصينا

وكن في قمة الطوفان موجاً

ومزناً يمطر الغيث الهتونا

فباسم محمَّد شمس البرايا

أقيمت خيمة الفلك المنير

تلألأ في الرّياض وفي الصحاري

وفوق الموج والسير المغير

ونبض الكون منه مستمد

حراراته على مرّ العصور

ومن مرّاكش يغزو صداه

ربوع الصين بالصوت الجهير

وما مشكاة هذا النّور إِلا

ضمير المسلم الحرّ الغيور

ورفع الذكر للمختار رفع

لقدرك نحو غايات الكمال

ص: 1815

فكن إِنسان عين الكون واشهد

مقامك عالياً فوق المعالي

بخنجر عزمك الوثاب لاحت

على الأعلام أنوار الهلال

نداؤك في العناصر مستجاب

إِذا دوى بصوت من بلال

وعقلك في الخطوب أجلّ درع

وعشقك خير سيف للنضال

خلافة هذه الأرض استقرت

بمجدك وهو للدنيا سماء

وفي تكبيرك القدسي يبدو

صغيراً كل ما ضمّ الفضاء

فيا من هب للإِسلام يدعو

وأيقظ صدق غيرته الوفاء

سترفع قدرك الأقدار حتى

تشاهد أن ساعدك القضاء

وقيل للث احتكم دنيا وأخرى

وشأنك والخلود كما تشاء

ص: 1816