المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب: - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

وحمايته له، وهم يعلمون مكانة أبي طالب فيهم، ويعلمون أن بني هاشم وإخوتهم بني المطلب لا يخالفون عن أمره، ولا يخذلونه في مواقف الجد، ونوازل الأحداث، وأنهم مناصروه على من ناوأه، أو حاول النّيل منه، وهم أشدّ شكيمةً في قومهم على من نابذهم العداوة واللدد!

‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

ومن ثم عمدت بطون زعماء قريش إلى أبي طالب، يلقونه شاكين إليه ابن أخيه، ومشى إليه منهم وهي من رؤوسهم وزعمائهم (1) .. والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بقوة لا تقهر، وعزيمة لا تفل!

ومن ثم زاد ملأ قريش سوءاً على سوئهم، وشرى الأمر بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينهم، واشتدّ التأزم، ولحق الحنق قلوبهم، وتباعد الرجال، وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها، وشنفوا له، وحضّ بعضهم بعضاً عليه، ورأوا أن عمه أبا طالب لم يعتبهم في شأنه، وازداد حدبه عليه، وحرصه على منعه وحمايته!

وهنا مشوا إليه مرة ثانية، يذكّرونه بأمرهم معه، وما قالوه له في شكايتهم أول مرّة، ويضيفون إلى ذلك لوناً من التهديد والوعيد (2)!

وروى ابن إسحاق من حديث عقيل بن أبي طالب، أن أبا طالب أرسل عقيلاً إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلمَّا حضر قال له عمه: إِن بني عمّك هؤلاء قد

(1) انظر: ابن هشام: 1: 328 من رواية ابن إسحاق بدون إسناد، وابن إسحاق 145 وسنده معلق.

(2)

انظر: المرجع السابق: 329.

ص: 887

زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم! فحلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إِلى السماء، فقال:" أترون هذه الشمس؟ " قالوا: نعم، قال:"فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم، على أن تشتعلوا منها شعلةً" فقال أبو طالب: والله! ما كذبنا ابن أخي، فارجعوا (1)!

وذكر ابن إسحاق أن قريشاً حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه، وإجماعَه لفراقهم في ذلك وعداوتهم، مشَوْا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة، فقالوا له، فيما بلغني (2):

يا أبا طالب: هذا عُمارة بن الوليد، أنْهَدُ فتىً فتىً قريش وأجمله، فخذه ذلك عَقْله، ونَصْره، واتّخذه ولداً فهو لك، وأسْلِمْ إِلينا ابن أخيك، هذا الذي قد خالف دينَك ودين آبائك، وفرّق جماعة قومك، وسفّه أحلامهم، فَنَقْتله، فإِنما هو رجل برجل، فقال: والله! لبئس ما تسومونني! أُتعطُوني ابنكم أغذوه لكم، وأُعْطيكم ابني تقتلونه! هذا والله! ما لا يكون

(1) ابن إسحاق: 155 بإسناد حسن، وقال الهيثمي: "المجمع: 6: 15 رواه أبو يعلى باختصار يسير من أوله، ورجاله رجال الصحيح، وانظر: فقه السيرة: الغزالي: 114 - 115، والسيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية:167.

أما ما رواه ابن إسحاق بسند منقطع: 154، وابن هشام: 1: 329 - 330، وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": "يا عم، والله! لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته. قال: ثم استعْبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى، ثم قام، فلمَّا ولّى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا بن أخي، قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فوالله! لا أُسلمك شيء أبداً"! والطبري: 2: 326، والكلاعي: الاكتفاء في مغازي المصطفى: 187 من طريق ابن إسحاق. ومع ذلك فالحديث مشهور، ونقله كثيرون!

(2)

ابن هشام: 1: 330 بدون إسناد.

ص: 888

أبدًا! قال: فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي: والله! يا أبا طالب، لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلّص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً! فقال أبو طالب للمطعم: والله! ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعْت خذلاني ومُظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك، أو كما قال: فحقَب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادى بعضُهم بعضاً! فقال أبو طالب عند ذلك يعرّض بالمطعم بن عدي، ويَعُمُّ مَن خذله مَن بني عبد مناف، ومَن عاداه من قبائل قريش، ويذكر ما سألوه، وما تباعد مِن أمرهم:

ألا قُل لعمرو والوليد ومُطعم

ألا ليت حظِّي من حياطتكم بَكْرُ (1)

مَن الخُور حبْحاب (2) كثيرٌ رخاؤُه

يُرَشُّ على الساقين من بوله قطْر

تخلّف خلْف الورد ليس بِلاحق

إِذا ملا علا الفيفاء قيل له وبْر (3)

أرى أخوَيْنا من أبينا وأُمّنا

إِذا سُئلا قالا إِلى غيرنا الأمر

(1) الحفاظ والحفيظة: الغضب، وقال بعضهم: لا يكون الحفاظ إلا في الغضب خاصة، والقول الأول أصح، ويروى من حياطتكم وهي معلومة، والبكر: الفتى من الإبل.

(2)

الخور جمع أخور، وهو الضعيف، وحبحاب يروى بالخاء المعجمة، وبالحاء وبالجيم، قال ابن سراج: بالجيم الكثير الكلام، فاستعاره هنا للرغاء، وبالحاء القصير، وبالخاء الضعيف.

(3)

الفيفاء: القفر، ووبر: دويبة على قدر الهرة.

ص: 889

بَلى لهما أمر ولكن تَجَر جَما (1)

كما جُرْجِمت من رأس ذي علق (2) الصخر

أخُصُّ خُصوصاً عبد شمس ونوفلا

هما نبذانا مثل ما يُنبذ الجمر

هما أغْمَزَا لِلْقوم (3) في أخوَيْهما

فقد أصبحا منهم أكفهما صفر (4)

هما أشركا في المجد من لا أبا له

من الناس إِلا أن يُرَسّ له ذكر (5)

وتيْم ومخزوم وزهرة منهمُ

وكانوا لنا مولى إِذا بُغي النصر

فوالله! لا تنفكّ منا عداوة

ولا منهم ما كان من نسلنا شَفْر (6)

فقد سُفهت أحلامُهم وعقولهم

وكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر

(1) تجرجما: أي سقطا وانحدرا، يقال: تجرجم الشيء إذا سقط.

(2)

ذو علق: جبل في ديار بني أسد.

(3)

أغمزا للقوم: أي سببا لهم الطعن فيهم، يقال: غمزت الرجل إذا طعنت فيه.

(4)

الصفر: الخالي من الآنية وغيرها.

(5)

يرسّ له ذكر: معناه أن يذكر ذكراً خفيًّا، يقال: رسست الحديث، إذا حدّثت به في خفاء.

(6)

من نسلنا شفر: أي أحد، يقال: ما بالدار أحد، وما بها شفر، أي ما بها أحد.

ص: 890

أهذا منتهى تقدير الرجوليّة في نظركم يا هؤلاء (1)؟!

تبًّا لهذه الحياة إن كان مثلها الأعلى في شبابها ورجوليّتها وفتوّة فتيانها جسامة بضّة، وجمال مظهر مائع، وميعة شباب تافه، وتمايل أعطاف مرذول!

لقد مشى ملأ الوثنّية الماديّة إلى أبي طالب منتفخة أوداجهم، يقودون فتاهم بشحمه، وبضاضة جسمه، وهم يقولون له:

قد جئناك بفتى قريش، جمالاً ونسباً ونهادة، ندفعه إليك، فيكون لك نصره وميراثه، فخذه وادفع إلينا ابن أخيك نقتله، فإن ذلك أجمع للعشيرة، وأفضل في عواقب الأمور مغبة، ورجل برجل!

ونظر أبو طالب إلى هذه الأشباح التي تكلمه، وهي تقود فتاها بنسعة الغرور الكذوب!

وحدّث أبو طالب نفسه، هامساً متعجّباً من هذه الرؤوس التي لم تركب في تلافيفها أدمغة تعقل، ولا دُسّ في صدورها قلوب تفقه!

وما قيمة جسامة فتاكم، وبضاضة جسمه وجماله وميعة شبابه، وتمايل عطفيه، وتضاحك شدقيه، في ميزان الرجوليّة الجادّة؟!

وما قيمة ذلك في ميزان الفضائل الإنسانيّة التي تعتزّ بها الحياة في حساب مفاخرها فيمن تدّخرهم لإنقاذها من شروركم؟! أفلا تعقلون؟!

بل ما قيمة فتاكم البضّ التيّاه في شرعة وشائج الطبيعة؟! أفلا تفقهون؟!

وكان أبو طالب -كما أسلفنا- قد استجمع أطراف عزائمه، وراجعته حميّته لابن أخيه، وزاده هذا العرض السخيف الأبله قوّةً وشموخاً، وتبدّى له خذلان الطغيان .. وأنهم جاؤوه بدنيّة الدنيا، ورديلة الرذائل، وحطيطة الجبن!

(1) محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 2: 178 وما بعدها بتصرف.

ص: 891

وانتهض أبو طالب للرد عليهم رداً بدّد غرورهم الأبله، وغمز قناة بلاهتهم، فقال لهم كما عرفنا: والله! لبئس ما تسومونني! أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه!

هذا والله! ما لا يكون أبداً!

وله قصيدة طويلة عظيمة بليغة جداً، أفحل من المعلّقات السبع، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعها كما يقول الحافظ ابن كثير وقد أوردها الأموي في مغازيه بزيادات، يخبر قومه وغيرهم أنه غير مُسْلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ولا تاركه لشيء أبداً، حتى يهلك دونه (1)!

(1) انظر: ابن هشام: 1: 338 وما بعدها، والبداية: 3: 5357.

ولم يجد الحافظ ابن كثير: البداية: 3: 41 تفسيراً لذلك سوى أن الله تعالى قد امتحن قلبه بحبّه حباً طبيعياً لا شرعيًّا، وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى، ومما صنعه لرسوله من الحماية؛ إذ لو كان أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي قريش وجاهة ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه، ولا اجترؤوا عليه، ولمدّوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه، وربّك يخلق ما يشاء ويختار!

وقد قسم خلقه أنواعاً وأجناساً، فهذان العمان كافران: أبو طالب، وأبو لهب، ولكن هذا يكون في القيامة في ضحضاح من نار، وذلك في الدرك الأسفل من النار، وأنزل الله فيه سورة في كتابه، تتلى على المنابر، وتقرأ في المواعظ والخطب، تتضمّن أنه سيصلى ناراً ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب! وإشارة الحافظ ابن كثير إلى أن أبا طالب في ضحضاح من نار، إشارة إلى الحديث المتفق عليه عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال للنبي: ما أغنيت عن عمّك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال:"هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار"!

البخاري: 63 مناقب الأنصار (3883)، وانظر (6208، 6572)، ومسلم (209)، وانظر الفتح: 7: 193.

ص: 892