الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إن إدراك العجز إدراك)(1).
ومطالب -أيضًا- بأن ينتفع به في دائرة النقل، لا يحيد ولا يزيغ .. وبأن يدرك أنه إذا استبدّ به الغرور، ولم يقبس من النور، ضلّ وغوى، وسقط وهوى، وصدق الله العظيم:
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} [النور: 40]!
ومن ثم كان النقل هو الشعاع الذي يضيء لهذه العين المبصرة أن تنظر وترى آثار ومظاهر هذا النور في القلوب والأرواح، ممثّلةً في معالم الحياة، تنير القلوب، وتنير الحياة .. مرتبطة بالنور الكونيّ الشامل الكامل .. ومن ثم يفيض النور على المشاعر والجوارح، وينسكب في الحنايا والجوانح:
{نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 35]!
وهما معًا متعاضدان .. ولذا سلب الحق اسم العقل من الذين حادوا عن الفطرة السليمة التي فطرهم الله عليها:
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)} [البقرة: 171]!
مكانة المسؤوليّة:
والكون الذي سخره الله عز وجل للإنسان، هو ميدان نشاطه، ومجال تأمّلاته، وحقل تجاربه، ومرمى آماله ورغائبه، ومن ثم فهو عضو في المجتمع، مسؤول عن تصرّفاته!
وفي الآخرة نقرأ في سورة الإسراء:
(1) الأربعين في أصول الدين: 68.
ويروي الشيخان وغيرهما عن ابن عُمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم-قال:
"ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيّته، فالإِمام الأعظم الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيّته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيّته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيّته"(1).
وفي حديث أنس مثل حديث ابن عمر، وزاد في آخره:
"فأعدوا للمسألة جوابًا"
قالوا: وما جوابها؟
قال: "أعمال البر".
أخرجه ابن عديّ، والطبراني في الأوسط، وسنده حسن.
(1) البخاري: 93 - الأحكام (7138)، وانظر (893، 2409، 2554، 2558، 2751، 5188، 5200)، والأدب المفرد (206، 212، 214، 416)، ومسلم (1829)، وأحمد: 2: 5، 54 - 55، 111، 121، ومالك (291، 21211) رواية أبي مصعب الزهري، وعبد الرزاق (20649)، وعبد بن حميد (745)، وابن الجارود (1094)، وأبو يعلى (5831)، وأبو عوانة: 4: 415 - 418، 419 - 421، والبغويّ (2469)، والطبراني: الأوسط (4267)، والكبير (13284)، والبيهقي: 6: 287، 7: 291 والشعب (7360، 8703)، والشهاب (209)، والخطيب: 11: 402، وأبو نعيم: أخبار أصبهان: 2: 318، وأبو داود (2928)، والترمذي (1705)، وابن حبّان (4490).
وفي رواية لابن عديّ بسند صحيح عن أنس: "إِن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ ذلك أو ضيّعه"(1).
ويروي الشيخان وغيرهما عن معقل بن يسار، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعيّة، فلم يحطه بنصحه، إِلا لم يجد رائحة الجنّة".
وفي رواية: "ما من وال يلي رعيَّةً من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إِلا حرّم الله عليه الجنّة"(2).
وهناك حالات يجازى فيها الإنسان على عمل غيره، يطول فيها الحديث! (3)
ومعلوم أن (الدّين القيّم) يحرص على مودّة المخالفين في العقيدة.
ومجادلة أهل الكتاب:
ومعلوم -كذلك- أن السلام يهدف إلى حقن الدماء، وإشاعة الأمن والطمأنينة بين الناس .. ومن ثم فهو سلام قويٌ عزيز، لا استسلام فيه ولا تفريط في الحقوق المغتصبة!
(1) فتح الباري: 13: 113.
(2)
البخاري: 93 - الأحكام (7150، 7151)، ومسلم (142)، والبيهقيُّ: 9: 41، والدارمي: 2: 324، والبغوي (2478)، وابن حبّان (4495)، وانظر: الطيالسي (928، 929)، وأحمد: 5: 25، 27، والطبراني: 20 (449، 455 - 459، 469، 472، 473، 474، 476، 478، 506، 513، 519، 524، 533، 534).
(3)
انظر كتابنا: (المسؤولية الوطنية في الإِسلام): 32 وما بعدها.
وقد مكث الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة .. في الوقت الذي كان يصبّ عليه الأذى، ويتعرّض أصحابه رضي الله عنهم لأقسى أنواع العذاب، وأفدح ألوان الاضطهاد -كما أسلفنا- حتى كانت الهجرة إلى الحبشة!
ومع ذلك كله كان صلى الله عليه وسلم يصفح الصفح الجميل!
ويطالعنا القرآن بأن قوم ثمود الذين أرسل الله إليهم صالحًا فكذّبوه .. كانت عاقبتهم صاعقة العذاب: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)} [فصلت: 17]!
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)} (الحاقة)!
وقوم عاد الذين أرسل إليهم هودًا فكذبوه .. كانت عاقبتهم الريح الصرصر العاتية: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)} [فصلت: 16]!
{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)} [الحاقة: 6]!
وقوم نوح أهلكهم الله بالطوفان: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)} [الشعراء]!
في الوقت الذي نبصر فيه رفع العذاب عن قريش، مع كل ما فعلوه:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} [الأنفال: 33]!
إنها رحمة الله تمهلهم، عسى أن يستجيب للهدى من تخالط بشاشة الإيمان قلبه -ولو بعد حين- وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم يدعوهم، فهنالك توقّع