الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: سلم هذا الحديث من التعارض الذي سيأتي -كما قال السيوطي- ولذا قدّمته على غيره في الترتيب، وأيضاً ذكر الإسراء إلى بيت المقدس قبل المعرج، وفيه إثبات أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتى بيت المقدس في ليلة المعراج، وبه قال الجمهور!
الحديث الثاني:
يروي الشيخان وغيرهما عن ابن شهاب عن أنس بن مالك، قال: كان أبو ذرٍّ يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"فُرِجَ (1) عن سقف بيتي وأنا بمكّة، فنزل جبريل ففرج (2) صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بِطسْتٍ (3) من ذهب ممتلئٍ حكمةً وإِيماناً، فأفرغَه في صدري، ثم أطبقه!
ثم أخذ بيدي، فَعَرَجَ بي إِلى السماء الدنيا، فلمَّا جئت إِلى السماء الدّنيا، قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال: مَنْ هذا؟ قال: هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم، معي محمَّد صلى الله عليه وسلم، فقال: أرسل إِليه؟
قال: نعم، فلمّا فَتَحَ علونا السماء الدنيا، فإِذا رجلٌ قاعدٌ على يمينه أسودَةٌ (4)، وعلى يساره أسودةٌ، إِذا نظر قِبَل يساره بكى،
(1) أي انفتح: فتح الباري: 1: 460.
(2)
أي شقّ: المرجع السابق.
(3)
أي إناء: السابق.
(4)
أسودةٌ: كل شخص من إنسان وغيره يسمَّى سواداً، وجمعه أسودة.
فقال: مرحباً بالنبيّ الصالح، والابن الصالح، قلت لجبريل: مَن هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نَسَمُ بَنِيه، فأهل اليمين منهم هم أهل الجنّة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإِذا نَظر عن يمينه ضحك، وإِذا نَظَر قبَل شماله بكى! حتى عرج بي إِلى السماء الثانية فقال لخازنها: افْتَحَ، فقال له خازنها مثل ما قال الأول، ففتح"!
قال أنس: فذكر أنه وجد في السماوات آدم، وإِدريس، وموسى، وعيسى، وإِبراهيم، صلوات الله عليهم، ولم يثْبِتْ كذلك منازلهم، غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدّنيا، وإِبراهيم في السماء السادسة!
قال أنس: فلمّا مرَّ جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: مرحباً بالنبيّ الصالح، والأخ الصالح، فقلت:"مَن هذا؟ " قال: هذا إِدريس!
ثمَ مررت بموسى فقال: مرحباً بالنبيّ الصالح، والأخ الصالح، قلت:"من هذا؟ " قال: هذا موسى!
ثمَّ مررت بعيسى فقال: مرحباً بالأخ الصالح، والنبيّ الصالح، "من هذا؟ " قال: هذا عيسى!
ثمّ مررت بإِبراهيم فقال: مرحباً بالنبيّ الصالح، والابن الصالح، قلت:"من هذا؟ " قال: هذا إِبراهيم صلى الله عليه وسلم!
قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس، وأبا حَبَّةَ الأنصاري، كانا يقولان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم عُرِجَ بي حتّى ظهرتُ لِمُستَوى أسمع فيه صَرِيف (1) الأقلام"!
قال ابن حزم، وأنس بن مالك: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "فَفَرض الله على أمّتي خمسين صلاة، فرجعتُ بذلك، حتى مررْتُ على موسى، فقال: ما فَرَضَ الله لك على أُمَّتِك؟ قلت: فرض خمسين صلاةً، قال: فارجِعْ إِلى ربّك، فإِن أُمَّتَك لا تطيق ذلك، فراجعني فوضَع شَطرها (2)، فرجعت إِلى موسى، قلت: وضعَ شطْرها، فقال: راجع ربّك، فإِن أمّتك لا تُطيق، فراجعت فوضَعَ شَطرَها، فرجعت إِليه، فقال: ارجِعْ إِلى ربّك، فإِن أمّتك لا تُطيق ذلك، فراجعتُه فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يُبَدّل القول لديَّ، فرجعت إِلى موسى فقال: راجِع ربّك، فقلت: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ ربِّي، ثم انطلق إِلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدْرِي ما هيَ، ثم أُدخِلْتُ
(1) الصريف: الصوت، وصريف الأقلام: تصويتها حال الكتابة. والمراد ما تكتبه الملائكة من أقضية الله سبحانه وتعالى: فتح الباري: 1: 462.
(2)
قال ابن المنير: ذكر الشطر في الحديث أعم من كونه وقع في دفعة واحدة، أو المراد بالشطر في الحديث البعض .. قال ابن حجر: فتح الباري: 1: 462 وقد حققت رواية ثابت أن التخفيف كان خمساً خمساً، وهي زيادة؛ معتمدة يتعيّن حمل باقي الروايات عليها، وأما قول الكرماني: الشطر هو النصف ففي المراجعة الأولى وضع خمساً وعشرين، وفي الثانية ثلاثة عشر، يعني نصف الخمسة والعشرين يجبر الكسر، وفي الثانية سبعاً، كذا قال.
الجنَّة، فإِذا فيها حبايل (1) اللؤلؤِ، وإِذا تُرَابُها الْمِسْكُ". (2)
(1) قال ابن حجر: السابق: 463 - 464 كذا وقع لجميع رواة البخاري في هذا الموضع، بالحاء المهملة ثم الموحدة وبعد الألف تحتانيّة ثم لام، وذكر كثير من الأئمة أنه تصحيف، وإنما هو (جنابذ) بالجيم والنون وبعدها الألف موحدة ثم ذكر معجمة كما وقع عند المصنف في أحاديث الأنبياء من رواية ابن المبارك وغيره عن يونس، وكذا عند غيره من الأئمة، ووجدت في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر في هذا الموضع (جنابذ) على الصواب، وأظنه من إصلاح بعض الرواة.
وقال ابن حزم في أجوبته على مواضع من البخاري فتشت على هاتين اللفظتين فلم أجدهما ولا واحدة منهما، ولا وقفت على معناهما.
وذكر غيره أن الجنابذة شبه القباب، واحدها جنبذة بالضم، وهو ما ارتفع من البناء، فهو فارسي معرب، وأصله بلسانهم كنبذة بوزنه، لكن الموحدة مفتوحة الكاف ليست خالصة، ويؤيده ما رواه المصنف في التفسير من طريق شيبان عن قتادة عن آنس قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ". وقال صاحب المطالع في الحائل، قيل: هي القلائد والعقود، أو هي من حبال الرمل، أي فيها لؤلؤ مثل حبال الرمل، جمع حبل، وهو ما استطال من الرمل، وتعقّب بأن الحبائل لا تكون إلا جمع حبالة، وحبالة جمع حبل، على غير قياس. والمراد أن فيها عقوداً أو قلائد من اللؤلؤ.
(2)
البخاري: 8 - الصلاة (349)، وانظر (1636، 3342)، ومسلم (163)، وأحمد: 5: 121، 288، وفيه عبد العزيز بن محمَّد، وشيخه شريك، وعطاء بن يسار عن أبيّ بن كعب، وسنده قوي، إن ثبت سماع عطاء من أبي، وابن ماجه (1111)، وفيه محرز، وابن خزيمة (1807، 1808)، والحاكم: 1: 287 - 288، 2: 229 - 230، والبيهقي: 3: 219 - 220 من طرق، وانظر: الضياء: المختارة (1126)، والبخاري تعليقاً (1636، 3342)، ومسلم (163)، والنسائي: الكبرى (314)، وأبو عوانة (354)، وابن حبان (7406)، وانظر: الفتح الرباني: 20: 349 وما بعدها، والمجمع: 1: 65 - 66.