الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجوع، وليس في يديه شيء يطعمهم به، ويغدو التجار على أبي لهب، فيزكّيهم فيما اشتروا من الطعام واللباس، حتى جهد المؤمنون ومن معهم جوعاً وعرياً!
كاتبها ماحيها:
ومن عجائب حكمة العلم الحكيم عزّ شأنه أن أحسن القوم بلاءً، في كشف هذه الغمّة، ونقض الصحيفة الظالمة الفاجرة هو أشدّهم لها في بدء أمرها حماسة، كاتبها كما قيل، والأمين على حفظها، كما قيل أيضاً: هشام بن عمرو بن لؤيّ. وأبو عمرو أخو نضلة بن هشام لأمّه، الذي بدّل الله شدّته على المؤمنين رأفة ورحمة، وجفاءه عطفاً، وقطيعته وصلاً، فكان من أوصل القوم للمؤمنين ومن معهم، وكان شريفاً في قومه ذا مروءة ونخوة!
كان -كما يقول ابن إسحاق- يأتي بالبعير ليلاً قد أوقره طعاماً، حتى إذا أقبل به فم الشِّعب خلع خطامه من رأسه، ثم ضرب على جنبه، فيدخل الشِّعب عليهم، ثم يأتي قد أوقره بزًّا، أو برًّا فيفعل به مثل ذلك!
تحرك العواطف:
قال محمَّد بن سعد: كان هشام بن عمرو العامري أوصل قريش لبني هاشم، حين حُوصروا في الشَّعب، أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أحمال طعاماً، فعلمت بذلك قريش، فمشوا إِليه حين أصبح فكلّموه في ذلك، فقال: إِني غير عائد لشي خالفكم، فانصرفوا عنه، ثم عاد الثانثة، فأدخل عليهم ليلاً حملاً أو حملين، فغالظته قريش، وهمّت به، فقال أبو سفيان ابن حرب: دعوه رجل وصل أهل رحمه، أما إِني أحلف بالله! لو فعلنا مثل ما فعل كان أحسن بنا!
وهو أول من نهض في نقض الصحيفة الظالمة، جمع إِليه من صناديد قريش ثلّةً لم يزل يفتل لهم في الذّروة والغارب، حتى استنزلهم إِلى رأيه، فمشى إِلى زهير بن أبي أميّة بن المغيرة، وأمّه عاتكة بنت عبد المطّلب، أخت أبي طالب، وعمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه سياسة في الرأي تدلّل على ثقوب فكرة، وذكاء قريحة، وتأتسّيه للأمور من قبلتها ووجهها، فقال له: يا زهير: أقد رضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثّياب، وتنكح النساء، وأخوالك قد علمت لا يُباع لهم، ولا يُبتاع منهم، ولا ينكحون ولا يُنكح إِليهم، أما إِنّي أحلف بالله! أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام، ثم دعوته إِلى ما دعاك إِليه منهم ما أجابك إِليه أبداً!
فانظر إِلى معرفته بدخائل النفوس، وإِثارة حفائظها لتقدم على ما تريد غير مبالية بما يكون من كوائن الأخطار في سبيل الوصول إِلى الهدف!
فقال زهير وقد استهواه منطقه: ويحكم يا هشام!! فماذا أصنع؟ إِنما أنا رجل واحد، والله! لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها!
وقال هشام: قد وجدت رجلاً، قال: فمن هو؟ قال: أنا، قال زهير: ابغنا رجلاً ثالثاً!
فذهب هشام إِلى المطعم بن عدي، فقال له: يا مطعم، أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف، وأنت شاهد على ذلك، موافق لقريش فيه، أما والله! لو أمكنتموهم من هذه لتجدنّهم إِليهم منكم سراعاً، قال مطعم: ويحك فماذا أصنع؟ إِنما أنا رجل واحد، قال: قد وجدت ثانياً، قال: من هو؟ قال: أنا، قال: ابغنا ثالثاً، قال قد فعلت، قال: من هو؟ قال: زهير بن