المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف: - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

سبق أن عرفنا عاليّة الدعوة الإسلاميّة .. وأن منافذ تبليغ الرسالة بمكة قد سدّت بعد وفاة خديجة وأبي طالب، وأن الجوّ قد خلا لأحلاس الشرك، وفجّار الوثنيّة في مكة التي أظلمت فجاجها أمام الدعوة إلى الله تعالى، وضاقت بمواسمها، وأسواقها، ومحافلها ومجتمعاتها، وأنديتها ومضارب القبائل في بطحائها على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

ومن ثم لم يجد فيها متنفّساً لدعوته، ولا منتجعاً لتبليغ رسالته؛ لأن سفهاء قريش، ومن وراءهم من أهل العتو والطغيان، والجحود والكفران طمعوا فيما لم يكونوا يطمعون فيه، وأبو طالب على قيد الحياة -كما عرفنا!

وكان لابدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من السير قدماً في القيام بنشر دعوته، وتبليغ رسالة ربّه، وأرض الله واسعة .. وهي بجميع أرجائها ومواطنها منازل للدّعوة إلى الحقّ والهدى، وأينما يُشرق النور فهناك الأفق الذي تطلع منه شمس الهداية، فلتذهب الدعوة إلى الله عز وجل مذاهبها في الأرض، حيث يتاح لها، ولتفارق مكة إلى عودة ظافرة، تطهّرها من أرجاس الفجور في أشباح البأو العنيد، والاستكبار البليد!

والنبي صلى الله عليه وسلم في حدود أقصى استطاعته، وأبلغ مدى طاقته يدأب في تبليغ وحي الله تعالى إلى عباد الله، لا يني، ولا يتوقّف، فإذا سدّت منافذ التبليغ في جانب من الأرض بقيت سائر الجوانب والواطن مهْيَعاً يجب سلوكه!

فمكّة بمن فيها من العتاة الطغاة البغاة العاندين، والفجّار المستكبرين وما

(1) محمَّد رسول صلى الله عليه وسلم: 2: 319، وما بعدها بتصرف.

ص: 1403

فيها من مهانة الشرك وأوثانه، أبت أن تستجيب إلى الإيمان بدعوة الحقّ، وأبت أن تقبل هداية الله، وأعرضت مدبرة ماكرة، ووقفت سدًّا عنيداً دون نشر الدّعوة إلى الحق والخير، بل طغت وتجاوزت كل حدّ من العتوّ والفجور، ودبّرت مؤتمرةً لتفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتقتله غيلة وغدراً -كما أسلفنا- لا لشيء إلا لأنه يدعوهم إلى أن يقولوا ربّنا الله، لا ندّ له ولا شريك في ملكه:{يُرِيدُونَ أَن يطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْركُونَ (33)} (التوبة).

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} (الصف).

ومن ثم سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى (الطائف) -وفيها (ثقيف)، وكانوا كما قال المقريزي- أخواله، ولم تكن بينه وبينهم عداوة، يلتمس من أهلها النصرة والمنعة، والاستجابة إلى توحيد الله وهدايته، فأقام فيهم صلى الله عليه وسلم شهراً، يجتمع بسادتهم وأشرافهم، يدعوهم إلى قبول الحق ونصرته!

روى ابن إسحاق قال: (1) لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى الطائف، عمد إِلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إِخوة ثلاثة:

(1) السيرة النبوية: ابن هشام: 2: 70 - 72، وإسناده مرسل عن محمَّد بن كعب القرظي، وابن سعد: 1: 211 - 212، مختصراً، وفي سنده الواقدي، والطبري: 2: 344 - 346. والطبراني وفيه ابن إسحاق، وبقية رجاله ثقات، انظر: المجمع: 6: 35 مختصراً، والبيهقي: الدلائل: 2: 415 - 417، من غير طريق ابن إسحاق مرسلاً.

ص: 1404

عبد ياليل بن عمرو بن عُمير، ومسعود بن عمرو بن عُمير، وحبيب بن عمرو بن عُمير بن عفو بن عقدة بن نميرة بن عوف بن ثقيف.

وعند أحدهم امرأة من قريش، من بني جُمح!

فجلس إِليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إِلى الله، وكلّمهم بما جاءهم له من نُصرته على الإِسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه!

فقال أحدهم: هو يمرط (1) ثياب الكعبة إِن كان الله أرسلك.

وقال الآخر: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك!

وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول؛ لأنت أعظم خطراً من أن أردّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، ما ينبغي لي أن أكلمك!

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم، وقد يئس من خبر ثقيف، وقد قال لهم -فيما ذُكر لي- "إِذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عنّي"، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه، فيؤذِرَهم (2) ذلك عليه (3).

قال ابن هشام: قال عبيد بن الأبرص:

(1) أي يمزّق.

(2)

قال ابن هشام: السابق: يريد يُحرش بينهم، وفي الحديث "ذئر النساء على الرجال فأمر بضربهن".

(3)

انظر: الدارمي: 2: 147، وابن ماجه (1985)، والشافعي: 2: 28، وعبد الرزاق (17945) والحميدي (876)، وأبو داود (2146)، وابن حبان (4189)، والطبراني (784، 785). والبيهقي: 7: 305، والبغوي (2346)، والحاكم: 2: 188، 189، وانظر: ابن سعد: 1: 221 - 212 مختصراً، وفيه الواقدي، وفتح المنان: 8: 435 وما بعدها.

ص: 1405

ولقد أتاني عن تميم أنهم

ذئروا لقتلي عامر وتعصّبوا

فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبّونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وألجؤوه إِلى حائط لعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إِلى ظلّ حبلة (1) من عنب، فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إِليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما ذكر لي- المرأة التي من بني جمح فقال لها:"ماذا لقينا من أحمائك؟ ".

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- فيما ذكر لي: "اللهم! إِليك أشكو ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إِلى من تكلني؟ إِلى بعيدٍ يتجهمُني؟ أم إِلى عدوٍّ ملّكته أمري؟ إِن لم يكن بك عليّ غضب فلا أُبالي، ولكن عافيتك هي أوسَعُ لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظّلمات، وَصلح عليه أمر الدنيا والآخرة. من أن تنزِل بي غضبَك، أو يَحِلَّ عليّ سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إِلا بك"(2).

(1) الحبلة: طاقات من قضبان الكرم.

(2)

انظر البيهقي: الدلائل: 2: 414 - 417، من طريق موسى بن عقبة عن الزهري، وهو مرسل، ولم يذكر الدعاء، وأورد السيوطي الدعاء: الجامع الصغير، وعزاه للطبراني ورمز له بالحسن، وقال الألباني: حاشية فقه السيرة: 132، ودفاع: 19 وروى هذه القصة الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن جعفر مختصراً، وفيه الدعاء بنحوه. وقال الهيثمي: المجمع: 6: 35، وفيه ابن إسحاق. وهو مدلس، وبقية رجال ثقات، وانظر فيض القدير: 2: 150 - 151 (1483).

ص: 1406

قال: فلما رآه ابنا ربيعة: عتبة وشيبة، وما لقي، تحرّكت له رحمهما، فدعَوَا غلاهاً لهما نصرانيًّا، يقال له عدّاس، فقالا له: خذ قِطفاً من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إِلى هذا الرجل، فقل له يأكل منه، ففعل عدّاس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: كل، فلمّا وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال:"باسم الله" ثم أكل، فنظر عداس في وجهه، ثم قال: والله إِن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ومن أهل أيّ البلاد أنت يا عدّاس؟ وما دينك؟ " قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قرية الرجل الصالح يونس بن متَّى" فقال له عدّاس: وما يُدريك ما يونس بن متَّى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك أخي، كان نبيًّا وأنا نبيّ، فأكبّ عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل رأسه ويديه وقدميه! (1)

قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أمّا غلامك فقد أفسده عليك، فلمّا جاءهما عدّاس قالا له: ويلك يا عدّاس! (2) ما لك تقبّل رأسه هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيّدي، ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إِلاّ نبيّ، قالا له: ويحك يا عدّاس، ولا يصرفنّك عن دينك. فإِن دينك خير من دينه!

(1) صرح ابن إسحاق بالسماع وسنده مرسل، وانظر: ابن سعد: 1: 211 - 212 مختصراً وفيه الواقدي، والطبري: التاريخ: 2: 344 - 346، والطبراني. وفيه ابن إسحاق، وانظر المجمع: 6: 35، والبيهقي: الدلائل: 2: 415، من غير طريق ابن إسحاق مرسلاً.

(2)

انظر ترجمته في: الإصابة: 2: 466 - 467 (5468).

ص: 1407

وفي رواية موسى بن عقبة، (1) أن سفهاء الطائف قعدوا للرسول صلى الله عليه وسلم صفّين على طريقه فلمّا مرّ بين صفيهم جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، وكانوا أعدوها، حتى أدموا رجليه، وكان ذلك من أشدّ ما لقي الرسول صلى الله عليه وسلم في جهاده!

وسبق أن ذكرنا ما رواه الشيخان وغيرهما أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال: "لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إِذ عرفت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إِلى ما أردت، فانطلقت -وأنا مهموم- على وجهي، فلم أستفق إِلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإِذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإِذا جبريل، فناداني، فقال: إِن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إِليهم ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلّم عليّ، ثم قال: يا محمَّد، إِن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"!

وهنا نبصر الرسول صلى الله عليه وسلم في اختياره الثلاثة الذين كانوا سادة ثقيف يومذاك يعطينا الدليل على أهمية دعوة الزعماء الذين ينساق الناس وراءهم .. وبعد أن رفضوا قبول دعوته تبيّن أن غيرهم في الغالب سيرفضها، ومن ثم لم يستغرق مقامه في الطائف وقتاً طويلاً!

(1) انظر: البيهقي: الدلائل: 2: 414 وفيه محمَّد بن فليح، صدوق يهم، انظر: التقريب: 502.

ص: 1408