الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شبهات
…
وردُّها
حديث شريك:
كثر الكلام حول حديث شريك -كما أسلفنا- وأثيرت شبهات كثيرة!
وإليك الحديث:
قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني سليمان، عن شريك بن عبد الله أنه قال: سمعت ابن مالك يقول:
ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يُوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أوّلهم: أيّهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يرى قلبه، وتنام عينه، ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمز، فتولاه منهم جبريل، فشقّ جبريل ما بين نحره إلى لبّته، (1) حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه، ثم أتى
(1) لَبّته -بفتح اللام وتشديد الموحّدة- وهي موضع القلادة من الصدر، وقال الداوودي:(إلى لبّته) أي إلى عانته؛ لأنّ اللبة العانة، وقال ابن التّين: وهو الأشبه، وفيه الرد على من أنكر شقّ الصّدر، وعدد الإسراء: عمدة القاري: 25: 171.
بطست من ذهب فيه تَوْرٌ (1) من ذهب، محشُوًّا إيمانًا وحكمةً، فحشا به صدره ولغاديده -يعني عروق حلقه- (2)، ثم أطبقه!
ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابًا من أبوابها، فناداه أهل السماء، من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمَّد، قال: وقد بُعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبًا به وأهلًا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض، حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك فسَلِّمْ عليه، فَسَلَّمَ عليه، وردّ عليه آدم، وقال: مرحبًا وأهلًا بابني، نعم الابن أنت!
فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطّردان، فقال:"ما هذان النهران يا جبريل؟ " قال: هذان النِّيل والفرات، عنصرهما (3)، ثم مضى في السماء، فإذا نهر آخر عليه قصرٌ من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك أذْفر (4)، قال:"ما هذا يا جبريل؟ " قال: هذا الكوثر الذي خَبَأ لك ربّك!
(1) توْرٌ -بفتح التاء المثناة من فوق وبالراء- هو إناء يشرب فيه: السابق، وانظر: فتح الباري: 13: 481 ففيه زيادة بيان.
(2)
قال أهل اللغة: هي اللحمات التي تكون بين الحنك وصفحة العنق، واحدها لغدود ولغديد، ويقال: لغد، وجمعه ألغاد: مجمل اللغة (لغد) وفتح الباري: 13: 481.
(3)
أي عنصر النيل والفرات، والعُنصر -بضم العين والصاد المهملتين بينهما نون ساكنة- هو الأصل، انظر: السابق.
(4)
أي جيد إلى الغاية، شديد ذكاء الريح: عمدة القاري: 25: 172.
ثم عرج إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى، من هذا؟
قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمَّد صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد بُعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا به وأهلًا!
ثم عرج به إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية!
ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك!
ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك!
ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا له مثل ذلك!
ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سمّاهم!
فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه. وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بفضل كلام الله، فقال موسى: ربّ لم أظنّ أن ترفع عليّ أحدًا!
ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبّار ربّ العزّة، فتدلّى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاةً على أمّتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: يا محمَّد! ماذا عهد إليك ربُّك؟ قال: عهد إليّ خمسين صلاةً كلّ يوم وليلة. قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليُخفِّف عنك ربّك وعنهم!
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل، كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم، إن شئت، فعلا به إلى الجبّار، فقال وهو مكانه: يا ربِّ! خفف عنّا، فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يُردّده موسى إلى ربّه، حتى صارت إلى خمس صلوات!
ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمَّد! والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمّتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا، فارجع فليُخفِّف عنك ربّك، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل، ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل!
فرفعه عند الخامسة فقال: يا ربّ! إن أمّتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم فخفِّف عنّا، فقال الجبّار: يا محمَّد! قال: لبَّيك (1) وسَعْدَيْك (2)، قال: إنه لا يبدّل القول لديّ، كما فرضت عليك في أم الكتاب، قال فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أمّ الكتاب، وهي خمسٌ عليك!
فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خَفَّفَ عنّا، أعطانا
(1) يقال: لبّيك لزومًا لطاعتك، أو إلبابًا بعد إلباب، وإقامة بعد إقامة، وإجابة بعد إجابة، أو معناه اتجاهي إليك وقصدي وإقبالي على أمرك: الصحاح، والمعجم الوسيط، ومجمل اللغة (لب).
(2)
يقال في الدعاء: لبّيك وسعديك: أي إسعادًا لك بعد إسعاد: الصحاح، والمعجم الوسيط (سعد).
بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربّك فليخفف عنك أيضًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا موسى قد والله اسْتَحييتُ من ربِّي مما اختلفت إليه"، قال: فاهبط باسم الله. قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام (1).
وقال مسلم: حدثنا هارون بين سعيد الأيلي: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني سليمان، وهو ابن بلال، قال: حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفرٍ قبل أن يُوحى إليه، وهو نائمٌ في المسجد الحرام، وساق الحديث بقصّته نحو حديث ثابت البناني، وقدّم فيه شيئًا وآخر، وزاد ونقص! (2)
قلت: سبق أن قدمنا الحديث الأوّل من رواية مسلم وغيره، وعرفنا أنه أجود وأتقن، وقد سلم ممّا في غيره من الأحاديث!
أما حديث شريك فقد قال ابن حجر: (3) مجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين عشرة أشياء، بل تزيد على ذلك!
(1) البخاري: 67 - التوحيد (1517).
(2)
مسلم: 1 - الإيمان (162).
(3)
فتح الباري: 13: 485.