الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثالث:
أمّا القول الثالث فهو التوقّف في هذه المسألة، وقد رجّحه القرطبي في (المفهم)، وعزاه لجماعة من المحقّقين، وقوّاه بأنّه ليس في الباب دليل قاطع، وغاية ما استدلّ به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل قال: وليست المسألة من العمليات، فيكتفي فيها بالأدلة الظنّيّة، وإنما هي من المعتقدات، فلا يكتفي فيها إلا بالدّليل القطعي! (1)
الراجح من الأقوال:
وبعد هذا التطواف أرجح إثبات الرؤية، لأدلة المثبتين من جهة، ولما سبق في (بين القولين) من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة لما أخرجه البخاري (2) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]!
قال: هي رؤيا عين أُريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به إلى بيت المقدس.
قال: والشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم!
قال ابن حجر: إضافة الرؤيا إلى العين للاحتراز عن رؤيا القلب، وقد أثبت الله تعالى رؤيا القلب في القرآن فقال:
(1) فتح الباري: 8: 608.
(2)
البخاري: 63 - مناقب الأنصار (3888)، وانظر (4716 - 6613).
{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} !
ورؤيا العين فقال:
{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} !
وروى الطبراني في الأوسط بإسناد قوي عن ابن عباس، قال:(رأى محمَّد ربّه مرتين)!
ومن وجه آخر قال: (نظر محمَّد إلى ربه)!
جعل الكلام لموسى، والخلّة لإبراهيم، والنظر لمحمد!
فإذا تقرّر ذلك ظهر أن مراد ابن عباس هنا برؤية العين المذكورة جميع ما ذكره صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة من الأشياء التي تقدّم ذكرها" (1)
وفي رواية للحاكم بسند صحيح عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أتعجبون أن تكون الخلّة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم! (2)
قال ابن حجر (3): وجنح ابن خزيمة في (كتاب التوحيد) إلى ترجيح الإثبات، وأطنب في الاستدلال له بما يطول ذكره، وحمل ما ورد عن ابن عباس على أن الرؤيا وقعت مرّتين، مرّة بعينه، ومرّة
(1) فتح الباري: 7: 218.
(2)
المستدرك: 1: 65، وقال: على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
(3)
فتح الباري: 8: 608.