الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد هذه المقدّمة -التي أشار القرآن إلى طولها بقوله: {ثُمَّ} التي تقتضي في العطف تراخياً في الأجل- ردت لليهود الكرّة، وأمدّوا بثلاث ما أمدّوا بمثلها في تاريخهم:
1 -
بأموال تتدفَّق عليهم من أقطار الأرض، وعلى ما أرادوا من صعبه أو سهله!
2 -
وبنين مهاجرين ومقاتلين، ينتجون بحماسهم وصلاحيتهم لبناء دولتهم!
3 -
{وَجَعَلْنَاكُمْ أَكثَرَ نَفِيرًا (6)} !!
ولم يكن اليهود في يوم ما أكثر نفيراً وناصراً منهم اليوم، ولم يتمتّع اليهود في تاريخهم، ولا أمّة في الأرض غيرهم، بمثل ما يتمتّعون به، من كثرة الناصرين لهم، والنافر لنجدتهم، إذا غضبوا غضبت لهم أمريكا، وإنجلترا، وفرنسا، وأمم الغرب جميعاً، وإن دعوا أجابهم الظالمون، وتنادوا لنصرتهم!
لقد اتفق الشرق والغرب -ولم يتفق يوماً- على إنشاء إسرائيل، وتقسيم فلسطين، وسكتوا -ولم يسكتوا يوماً- على مأساة اللاجئين والمنكوبين والمشرَّدين.
كل هذه الأوصاف تؤكد أن الدّور الذي نعانيه اليوم هو الكرّة المعنيّة في الآية، وكل ما ذكره المفسّرون بعيد، لا تنطبق عليه هذه الصفات!
فرصة للاختيار:
وقال تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} !
بعد أن قرّر سبحانه أنه سيرد لليهود الكرّة، قرّر أنها فرصة لهم، ليختاروا
لأنفسهم، وليرسموا نهايتهم، فللذين أحسنوا الحسنى، وللذين أساءوا السوآى، ثم قرّر سبحانه أنهم لن ينفكّوا عن فسادهم وإفسادهم، فقرر بعد ذلك على الفور عاقبة أمرهم؛ لأنها معروفة محتومة، فقال تعالى:
يقرّر الله عز وجل أنهم لن يستقبلوا النعمة بالشكر، ولا الكرة بالذكر والانتهاء عن الفساد، وإنما سيعاودون فسادهم الموروث، على نحو يدخلهم في شديد مقت الله ونقمة عباده، بما يبعد أن تدركهم عند ذلك رحمته، فيقول:{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} !
سلّطنا عليكم عبادنا الأوّلين الذين دخلوا المسجد، ثم رددت لكم الكرة على خلائقهم:{لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} !
بما ترون من مصارعكم، ومصارع أحلامكم، وما تعاينون من سوء المنظر في المال والأهل والولد:{وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} ! دخول العزيز الظاهر: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة} ظافرين منصورين: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)} !
وذلك دورنا المرتقب، وعملنا الذي نرجو أن يشرّفنا الله به في القريب، فإنا لنطمع أن يعذّبهم الله بأيدينا ويخزهم، وينصرنا عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين!
وقد قرّر سبحانه أنه سيجمعهم ألفافاً لنبيدهم:
{وفَإذَا جَاءَ وَعدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفيفًا (104)} !