الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأي جديد:
ونعود إلى تلك الآيات القرآنية التي تتحدّث عن مرّتي إفساد بني إسرائيل.
نعود لنجد أقوال المفسرين تتفق على أمرين:
الأوّل: أن مرّتي الإفساد في الأرض كانتا قبل الإِسلام!
الثاني: أن العباد الذين سلّطهم الله عليهم -أيضاً- قبل الإِسلام!
وخلاف المفسّرين إنما هو فيما سوى هذين الأمرين!
وسبق أن ذكرنا أشهر أقوال المفسرين في ذلك!
ولكن رأياً جديداً في تفسير الآيات القرآنيّة للشيخ عبد المعزّ عبد الستّار (1)، خالف فيه إجماع المفسّرين، نعرضه هنا بإيجاز، حيث ذهب إلى أن هاتين المرّتين لم تكونا قبل البعثة، وإنما هي في الإِسلام، وأن المرّة الأولى كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والآخرة هي التي نحن فيها الآن!
يقول: أطبق المفسّرون على أن ذلك الإفساد وقع منهم مرّتين في الماضي قبل الإِسلام، أيّام أن علوا وغلوا وقتلوا الأنبياء، وكذّبوا المرسلين، وإن اختلفت أقوالهم في ذلك اختلافاً كبيراً في تحديد نوع إفسادهم الأوّل وزمنه، والمسلّط عليهم، وكذلك في الثاني!
والذي يعنيني أن أكشف عنه وأن أثبته في هذا أمران:
الأول: أن هاتين المرّتين لم تكونا قبل البعثة، وإنما هما في الإِسلام!
(1) بنو إسرائيل في القرآن والسنة: 2: 373 وما بعدها بتصرف، نقلاً عن مجلة الأزهر: المجلد 28: 689 تحت عنوان: سورة الإسراء تقص نهاية إسرائيل!
الثاني: أن المرّة الأولى كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والآخرة هي التي نحن فيها الآن، والتي سنسوء فيها وجوههم، وندخل المسجد كما دخلناه
…
إن شاء الله رب العالمين!
وأبادر فأطمئن الذين قد يهولهم هذا التخريج، فيرونه مخالفاً للمأثور أو المعروف من أقوال المفسّرين، إلى أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء وإلى أن المأثور عن بعض الصحابة مضطرب لا تقوم به حجّة، وإلى أن الأمر لا يعدو أن يكون تاريخاً أو تأويلاً!
لا يقال في مخالفته إنه تحريف للكلم عن مواضعه!
وأعود لأثبت الأمر الأوّل فأقول:
الحديث عن الإسراء تبشير وإنباء بمستقبل .. والثابت أن الإسراء وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكّة قبل الهجرة، فإن سورة الإسراء أنزلت كذلك، فهي مكيّة، إلا آيات معلومات، وقد كان المسلمون يومئذ بمكّة مستضعفين في الأرض، يخافون أن يتخطّفهم الناس، فلم يكن لبني إسرائيل يومئذ صلة ولا بشأن مع المسلمين، ولم يكن لهم أثر بمكّة، ولا خطر يقتضي أن يتحدّث القرآن عنهم في سورة مكيّة بمثل هذا التفصيل!
فما السرُّ في أن يخبر الله عند إسرائه برسوله صلى الله عليه وسلم في آية واحدة أول السورة، ينقطع بعدها الحديث عن الإسراء جملة إلى آخرها، ويبدأ الحديث عن بني إسرائيل وما أنعم عليهم وعهد إليهم، وعن دور خطير يكون لهم؟!
وما وجه المناسبة بين هذه الآيات والأحداث؟!
السرُّ في ذلك أن الله عز وجل يخبر عن الإسراء بمقدار ما يبشر به نبيّه،
والمسلمين المضطهدين: بمكّة، المستضعفين في الأرض، بأن أمرهم سيمتدَّ ويعلو وشيكاً، حتى تدين لهم عاصمة الشرك، وعاصمة أهل الكتاب، فهو سبحانه يقول:
لم يقل من مكّة إلى بيت المقدس، كما هو الحال؛ إذ الكعبة يومئذ لم تكن مسجداً، وإنّما كانت بيتاً تقوم حوله الأصنام، ويطوف به العائذون والمشركون، ولم يكن هيكل دولة داود وسليمان في دولة يهوذا وإسرائيل مسجداً، وإنما كان بيتاً يأكل بنو إسرائيل من حوله السحت، ويعيثون الفساد!
ولكن الله عز وجل أخبر عن هذا الإسراء بأنه انتقال من مسجد إلى مسجد، تبشيراً للمسلمين بأن أمرهم سيعلو ويتم، بحيث يصبح البلد الذي استضعفوا فيه وهانوا، وحلّت حرماتهم فيه مسجداً حراماً ودار أمن وإسلام .. ليس هذا فحسب، بل سيمتد نفوذه وضياؤه، بحيث يصل عاصمة أهل الكتاب، ويصبح هيكل داود وسليمان لهم مسجداً أقصى كذلك، فهم أولى له:{إِن أَولِيَاؤهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (الأنفال: 34)!
وهنا يتضح الجواب، ويظهر وجه المناسبة بين قوله تعالى:
فقد اتصل الحديث، وإن انتقل الكلام من الإنباء بمصير الهيكل إلى الإنباء عن مصير أهله!