المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كما أن وجه صلى الله عليه وسلم في أرفع مكان - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: كما أن وجه صلى الله عليه وسلم في أرفع مكان

كما أن وجه صلى الله عليه وسلم في أرفع مكان في الرّفيق الأعلى مُستقرّة هناك، وبدنه في ضريحه غيرُ مفقود، وإذا سلّم عليه السلم ردّ الله عليه روحه حتّى يردّ عليه السلام، ولم يفارق الملأ الأعلى!

ومن كثُفَ إدراكه، وغلظت طباعُه عن إدراك هذا، فلينظر إلى الشمس في علوّ محلّها، وتعلّقها، وتأثيرها في الأرض، وحياة النبات والحيوان بها!

هذا، وشأن الرُّوح فوق هذا، فلها شأن، وللأبدان شأن!

وهذه النار تكون في محلّها، وحرارتها تؤثّر في الجسم البعيد عنها، مع أن الارتباط والتعلّق الذي بين الروُح والبدن أقوى وأكمل من ذلك وأتمّ، فشأن الرُّوح أعلى من ذلك وألطف!

فقل للعيون الرُّمْدِ إِيّاكِ أن تَري

سَنَا الشَّمس فاستغشي ظلام اللّياليا

‌القول الثالث:

بالجسد يقظة إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح (1)، واستدلوا بآية الإسراء .. وقالوا: جعل المسجد الأقصى غاية الإسراء الذي وقع التعجّب به من الكفّار تعجّب استحالة، ومن المؤمنين تعجّب تعظيم، بعظيم قدرة الله الباهرة، والتمدّح بتشريف النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار الكرامة له بالإسراء، ولو كان الإسراء بجسده إلى مكان زائد عن المسجد الأقصى لذكره، فيكون أبلغ

(1) انظر: شرح المواهب اللدنية: 6: 5.

ص: 1532

في المدح، فلمّا لم يقع ذكر المعراج في هذا الموضع مع كون شأنه أعجب، وأمره أغرب بكثير من الإسراء، دلّ على أنه كان مناماً، وأما الإسراء فلو كان مناماً لما كذّبوه ولا استنكروه!

وأجيب كما ذكر ابن المنير بأن حكمة التخصيص بالمسجد الأقصى سؤال قريش له على سبيل الامتحان، على ما شاهدوه وعرفوه من صفة بيت المقدس، وقد علموا أنه لم يسافر إليه، فيجيبهم بما عاين -كما سبق- ويوافق ما يعلمونه، فتقوم الحجة، وكذلك وقع!

ولهذا لم يسألوه عما رأى في السماء، ولا عهد لهم بذلك!

وفي الشامي: وأجاب الأئمّة عن ذلك بأنه استدرجهم إلى الإيمان بذكر الإسراء، فلمّا ظهرت أمارات صدقه، ووضحت لهم براهين رسالته، واستأنسوا بتلك الآية، أخبرهم بما هو أعظم منها، وهو المعراج، فحدّثهم به، وأنزله الله في سورة النجم!

قال ابن حجر (1): ويؤيد وقوع المعراج عقب الإسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم -الحديث الأول الذي سبق- ففي أوّله: "أتيت بالبُراق .. " إلى أن قال: "ثم عرج بنا

".

قال ابن القيم (2): وكان الإسراء مرّة واحدة، وقيل: مرّتين (3): مرّة يقظة، ومرّة مناماً، وأرباب هذا القول كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك -الآتي- وقوله:(ثم استيقظت) وبين سائر الروايات!

(1) فتح البارى: 7: 198، وفي شرح المواهب:(وقوع الإسراء عقب المعراج)، وهو خطأ ظاهر.

(2)

زاد المعاد: 3: 42.

(3)

انظر: الآية الكبرى: 109.

ص: 1533

ومنهم من قال: بل كان هذا مرّتين، مرَّة قبل الوحي، لقوله في حديث شريك:(وذلك قبل أن يوحى إليه) ومرّة بعد الوحي، كما دلّت عليه سائر الأحاديث!

ومنهم من قال: بل ثلاث مرّات: مرّة قبل الوحي، ومرّتين بعده!

وكلّ هذا خبط، وهذه طريقة ضعفاء الظاهريّة من أرباب النقل الذين إذا رأوا في القصة لفظة تخالف سياق بعض الروايات، جعلوه مرّة أخرى، فكلما اختلفت عليهم الروايات عددوا الوقائع!

والصواب الذي عليه أئمّة النقل أن الإسراء كان مرّة واحدة بمكّة بعد البعثة!

ويا عجباً لهؤلاء الذين زعموا أنه كان مراراً، كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في صلّ مرّة تفرض عليه الصلاة خمسين، ثم يتردّد بين ربّه وبين موسى، حتى تفسير خمساً، ثم يقول:"أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي" ثم يعيدها في المرّة الثانية إلى خمسين، ثم يحطها عشراً عشراً، وقد غلّط الحفّاظ شريكاً في ألفاظه من حديث الإسراء -كما سيأتي!

تلك هي الأقوال المشهورة، وهناك أقوال أخرى نتحدث عنها في حديث شريك بعون الله وتوفيقه!

ونعود إلى كلام الإِمام ابن القيّم، نعود لنرى تشييده بكلام فلسفي لا يقبله الشيخ عرجون (1)، الذي قال:

(1) محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 2: 354 وما بعدها بتصرف.

ص: 1534

لابدّ من التساؤل حينئذ أمام الحماسة المتدفّقة في تشييد بناء هذا القول المتداعي: هل كان التصوّر للإسراء على قول القائلين بالرّوح ولم يفقد جسده صلى الله عليه وسلم موجوداً في ذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أخبر مجتمع الكفر من قريش برحلته الإعجازيّة، فاستمعوا له ما بين مصفّق وضاحك وساخر، إنكاراً وتكذيباً لما قال لهم، وحين استوصفوه المسجد الأقصى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يثبت في ذاكرته بعض أشياء منه، فكرب كرباً شديداً، فجلاّه ربّ العزّة في الحجر، فجعل ينظر إليه ويخبر عمّا يسألون، فلمّا وافق وصفه ما عندهم ممّا عرفوه عن المسجد الأقصى، لكثرة تردّدهم عليه للتجارة وغيرها، قال قائلهم: أمّا الوصف فقد صدق فيه؟

وهل المسلمون وهم يستمعون إلى نبيّهم صلى الله عليه وسلم يتحدّث عن رحلته الإعجازيّة يفهمون أنها رحلة روح فقط، تركت جسدها وانسلخت منه، ثم عادت إليه؟

ففيم إذن كان موقف الذين لم يصدقوا، وهم يعلمون أن الرُّوح لها شأنها الخاص الذي لا تقيّده المادّيّات، فتنطلق إلى أقصى المشرق ثم تعود إلى أقصى المغرب في لحظات من الزمن، وتباشر من الأمور المادّيّة ما يقتضي أعواماً وشهوراً، لو كان حصوله حصولاً ماديًّا؟

وهل كان ملأ قريش حين استمعوا إليه صلى الله عليه وسلم، وهو يحدثّهم عن رحلته، وعجائب ما رأى فيها من آيات الله في ملكوته في طريقه ذهاباً وجيئةً يفهمون أنها رحلة روح انسلخت عن جسدها، وتركته حيًا، حتى عادت إليه، وامتزجت به، كما كان حالها قبل الرحلة؟

ص: 1535

وإذن ففيم كان الإنكار والتكذيب والاستسخار؟! وهم يعلمون أن الأرواح لا ينكر عليها قطع المسافات البعيدة جدًا في زمن يسير، وقد قالوا في إنكارهم:

إننا نضرب لها أكباد الإبل شهراً مصعدةً وشهراً آيبةً، وأنت تقول: إنك ذهبت إليها في لحظة من ليل، ثم عدت إلينا تحدّثنا؟

وهل لهذا الطراز من التخيّلات سند من أمثاله وشواهده في آثار الأنبياء ومعجزاتهم مثل ما وجد من الشواهد لنقل جسم عظيم من مكان قصيّ البعد في لحظة من ارتداد طرف العين، كنقل عرش ملكة سبأ، وهو ثابت بنصّ القرآن الكريم؟

وانسلاخ الروح عن الجسم وبقاؤه حيًّا ينتظرها هوس إشراقي متفلسف، انتقل إلى بعض الفارغين من أدعياء التصوّف الإشراقي الفلسفي، وقد جاء في بعض شروح عينيّة ابن سينا أن بعض متقدّمي متفلسفة الإشراق الوثنييّن قال: انسلخت عن بدني فعرفت من أنا، فهل هذا الهوس المأفون يتفق في شيء مع منهج الإِسلام وشريعته؟!

ومن العجيب أن الإِمام ابن القيّم افتتح حديثه عن الإسراء -كما أسلفنا- بقوله: ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكباً على البراق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام!

ففي قوله على الصحيح دليل على أن مقابله ليس صحيحاً، وإذا كان ذلك كذلك ففي أيّ شيء كانت الحماسة لتشييد قول غير صحيح، وإهمال القول الصحيح لمجرد السرد، وقصص الروايات؟

ص: 1536