الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسبق أن ذكرنا طرفاً من عظم البلاء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصبروا وصابروا ورابطوا!
25 - تبليغ الرسالة:
وكان موقف العناد الكفور (1)، والتعنت الجهول الذي وقفه ملأ قريش في مكالمتهم الجماعيّة المتعنتة حافزاً من حوافز الإفدام ودافعاً من دوافع القوة، وعاملاً من أقوى عوامل الإصرار الحازم والعزم الصارم، دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بسط دعوته في أكناف مكة وما حولها من محلات العرب ومنازلهم ومجتمعاتهم ومحافل مواسمهم وأسواقهم!
فكان صلى الله عليه وسلم لا يسمع برئيس قبيلة أو زعيم بيت أو عشيرة من بيوتات وعشائر العرب وبطونهم في منزل من منازل الوافدين على مكة للتجارة أو الحج إلا ذهب إليه يدعوه وقومه إلى الله، ويناديه إلى الهدى ائتنا، ويسمعه من آيات القرآن الكريم ما فيه شفاء للقلوب والأفئدة، ونور للبصائر والأفكار، وكانت قريش بعد فشلها في مكالمته صلى الله عليه وسلم، وما عرض عليه ملؤها من أمور الدنيا الماديّة تتبعه أينما ذهب، وحيثما ولّى وجهه أو نزل، فإذا سمعوه يدعو إلى الله تعالى بادروه بالتكذيب والاستهزاء، ورموه بالجنون والسحر، وكان أشدّهم عليه -كما أسلفنا- عمه المتبوب أبو لهب .. ومعلوم أن الناس كانوا في جاهليّتهم أشدّ تمسكاً بمواريث الآباء والأجداد، وأشدّ حرصاً على التشبت بمراسم الماديّة الوثنية؛ لا يفهمون لأول وهله إلا ما وافق تراثهم الجاهلي وعاداتهم التقليديّة! فإذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله تعالى، وخلع الأنداد وإخلاص
(1) محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 2: 123 وما بعدها بتصرف.
العبودية لله وحده والتحرّر من أغلال التعتد للأصنام والزعماء والرؤساء، وبدر أبو لهب بتكذيبه والتحذير من قبول دعوته، سألوا عنه، فقالوا: من هذا وراءه يكذبه، فيقال: عمّه! وتسري هذه في الغوغاء والجماهير التي تعيش بعواطفها وشعور التبعة لكل ناعق، فيقولون معرضين عن هداية الإِسلام: قوم الرجل أعلم به!
وسبق أن ذكرنا حديث: "لقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد".
وقد علّمَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل أذية تلحق شخصه صلى الله عليه وسلم في بدنه مهما عظمته وفدحت واشتدّ أثرها لا توضع قط في ميزان مع أيّة أذيّة تعترض طريق الدعوة، وتعوق تبليغ الرسالة مهما ضؤلت!
وعلمنا صلى الله عليه وسلم أنه كان يودّ الشهادة فيما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "انتدب الله لمن خرج في سبيله -لا يخرجه إِلا إِيمان بي وتصديق برسلي- أن أرجعه بما نال من أجراً وغنيمة، أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلْف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل"(1).
وسيأتي مزيد من الأدلة في العهد المدني!
وهكذا كان الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم -كما سبق وكما سيأتي- والصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم من الدعاة إلى الله تعالى، مع تناهي شدته
(1) البخاري: 2 - الإيمان (36)، وانظر (2787، 2797، 3172، 7226، 7457، 7463)، ومسلم (1876)، ومالك: 2: 460، 465، وأحمد: 2: 245، 313، 424، 473، 496، والنسائي: 6: 32، والبغوي (2614)، والبيهقي: 9: 24، 157، وابن ماجه (2753)، وابن حبان (4736).