الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول بأن حديث الغرانيق مما ألقاه الشيطان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نسخه سبحانه وتعالى كما يقول الغرنوقيّون، ولا سيّما وهو ممّا لا يتوقّف على صحته أمر دينيّ، ولا معنى آية، ولا، ولا، سوى أنها حصول شُبَه في قلوب كثير من ضعفاء المؤمنين، لا تكاد تدفع إلا بجهد جهيد!
قلنا: وسوى أنها تفتح لأعداء الإِسلام المتربّصين به من الملاحدة، وشراذم المستشرقين، ولمائم المبشّرين المتعصّبين، وهم أكثر الناس عدداً وأقواهم عدّة، وأقدرهم على ترويج الباطل بما يملكون من وسائل الترويج -كما أسلفنا- ولو لم يكن من فوائد القضاء عليها ودفنها في أحشاء مختلقيها سوى سدّ هذا الباب الشرير المفسد لكفى، فضلاً للأقلام التي تشرع أسنّتها، لهدم باطلها، وتبيين خبثها!
قال الشيخ عرجون:
ونضيف إلى نقض العلاّمة الآلوسي لردّ الشيخ إبراهيم الكوراني دقيقةً تهدم بنيان (الغرنقة) في كلام الشيخ الكوراني: ذلك أنه يقول: لابدّ من حمل الكلام على الاستفهام أو حذف القول -أي في رواية القصّة الغرنوقية -ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلبّسْ عليه- ولم يُلْق الشيطان على لسانه شيئاً، ولم يُسلب العصمة، ولكنّه صلى الله عليه وسلم فيما يتصوّر الغرانقة حين يتأوّلون في روايات القصّة - حين تلا صلى الله عليه وسلم آيات ذمّ الأوثان وعابديها من المشركين الوثنيّن بأسلوب الإنكار والتوبيخ في قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} (النجم)! عجيب من شناعة أمرهم، وقبح اعتقادهم، وسوء قالتهم، فبيّن عن إنكاره وتعجّبه بحكاية ما يصفون به أوثانهم بجملة استفهاميّة إنكاريّة مقرعة، محذوفة أداء الاستفهام، أو بجملة إخبار تحكي قولهم بحذف القول!
وهذا الذي ذهب إليه الشيخ الكورانيّ يهدم أصل اختراقه لأقصوصة (التأديب) الذي زعمه حكمة لتلبيس الشيطان في إلقائه كلمات الكفر على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما هو نصّ مرسل سعيد بن جبير، أصح ما تمسّك به الغرنوقيّون!
وإذا كان ذلك كذلك فلا وجه لطنطنة الشيخ الكورانيّ بأخلوقة (التأديب) الجافية والتصفية والترقية؛ لأن لاحق كلامه هنا يهدم سابقه، وعندئذ يرجع الكلام إلى مجرّد النظر في ثبوت صحة الحديث، وقد أثبتنا ضعفه؛ بل بطلانه، وقال عنه الآلوسي: ودون إثبات صحته خرط القتاد، ويؤيّد عدم ثبوته مخالفته لظواهر الآيات، فقد قال سبحانه في وصف القرآن:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} (فصلت)!
والمرابط بالباطل ما كان في نفسه، وذلك الملقى كذلك، وإن سوّغ نطق النبيّ صلى الله عليه وسلم تأويله بأحد التأويلين، والمراد بـ {لَا يَأْتِيهِ} استمرار النفي، لا نفي الاستمرار، وقال عز وجل:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (الحجر)!
فجيء بالجملة الاسميّة مؤكّدة بتأكيدين، ونسب الحفظ المحذوف متعلّقه إفادة للعموم إلى ضمير العظمة، وفي ذلك من الدلالة على الاعتناء بأمر القرآن ما فيه، وقد استدلّ بالآية من استدلّ على حفظ القرآن من الزيادة والنقص!
وكون الإلقاء المذكور لا ينافي الحفظ لأنه نسخ، ولم يبق إلا زماناً يسيراً لا يخلو من نظر، والظاهر أنه وإن لم يناف الحفظ في الجملة، لكنه ينافي الحفظ المشار إليه في الآية، على ما يقتضيه ذلك الاعتناء، تم إن قُبِل بما روي عن