الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في صميمها تتسق مع مولد عيسى، ومنحة الوجود والحياة على غير مثال إلا مثال آدم عليه السلام!
وإذا كان الله قادراً أن يجري هذه المعجزات على يد واحد من خلقه، فهو قادر على خلق ذلك الواحد من غير مثال .. ولا حاجة إذن لكل الشبهات والأساطير التي نشأت عن هذا المولد الخاص متى ردّ الأمر إلى مشيئة الله الطليقة! (1)
وهكذا كانت آيات الأنبياء والرسل قبل رسالة خاتم النبيين محمَّد صلى الله عليه وسلم حسّيّة ومادّيّة؛ لأن مدارك الإنسان وقوى تفكيره كانت مجذوبةً إلى الأرض، بقوّة التماسك العنصري في ترابط ذرّات الكون!
رسالة عقليّة علميّة خالدة:
وحين بلغت النبوّة مداها في التآخي مع العقل الإنساني -وهو قوّة لا سلطان للمادّة عليها- وقد بلغ العقل رشده واستوى تفكيره، أرسل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم برسالة كاملة المعالم في أصول العقائد والتعبّدات،
(1) انظر: في ظلال القرآن: 1: 397 وما بعدها.
وأنظمة الحياة، ختم بها رسالات المرسلين، قامت على دعائم من القواعد والأصول العامة المحكمة، جعلها هاديةً للعقل في مسيرته مع الحياة، يسترشد بها، ليستخرج من أصولها أحكام الأحداث والوقائع المتجدّدة التي لا تتناهى، دون حاجة إلى الوقوف عند نصّ ربما لا يفي بالمقصود!
ومن ثمَّ كانت خصّيصة هذه الرسالة الخاتمة في خلودها بخلود الحياة في تآخيها مع العقل الإنسانيّ الذي اكتمل رشده، وشبّ عن طريق المحاكاة والتقليد والتبعيّة!
ومن هذه الخصّيصة لهذه الرسالة الخاتمة في تآخيها مع العقل، كان لا بدَّ في آيات صدقها، وبراهن حقّيّتها، ودلائل إعجازها من أن تكون مسايرةً لهذا التآخي العقلي، مناسبة له في منابعه الإدراكيّة، هاديةً له في أسس التشريع، مهتديةً به في تطبيق الوقائع، على تلك الأسس والأصول!
وعندئذ لم يبق للإعجاز الحسيّ وآياته المادّيّة قوّة دلالته على حقّيّة ماجاءت به من الهُدى والخير، فكانت الآية العظمى، والمعجزة الكبرى التي وقع بها التحدّي والاستدلالّ على صدق حامل أمانتها آية عقليّة، علميّة، فكريّة .. يجد فيها كل عقل مجاله الإدراكي .. ويجد فيها كل عالم طريقه إلى المعرفة واليقين .. ويجد فيها الفكر (المتطوّر) مجالاً لسبحات أطواره، بعيداً عن الجمود المادّيّ .. ليستصفي من أصولها الحقّ خالصاً من شوائب الخداع والتضليل!