الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقًّا، إننا أمّة تملك إنقاذ البشريّة من ويلات الجاهليّة وحربها المشبوبة في شتّى الصور والألوان .. ولكننا لا نملك ذلك قبل أن ننقذ أنفسنا مما نحن فيه، وقبل أن نفيء إلى ظلال الأمن والسلام!
السلام الذي لا تجده البشريّة -ولم تجده يوماً- إلاّ في هذا (الدّين القيّم)، وفي منهجه ونظامه وشريعته ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته!
وإن محنة الساعة التي تواجهنا، والتي سلبتنا مقدّساتنا، يجب أن نقول فيها كلمة حق، لا رياء فيها ولا زيف، ولا مداراة ولا حيف!
وإذا أهملنا قضية (الدّين القيّم) بالمعنى الحقيقي ضاع الإنسان، وضاعت القيم، وضاع الأمن والسلام!
حقوق الإنسان:
وإن أوروبا عاشت في غفلتها وتأخرّها، وغفوتها وتخلفها، خلال القرون الوسطى في جوّ من التفكك الفكري والاجتماعي، يختلف تماماً عما كان عليه العالم الإِسلاميّ من حضارة زاهرة، حتى فتحت أعينها على روائع الحضارة الإِسلاميّة، وبدأت تحطم القيود والأغلال .. إلى أن كانت نهضتها الحديثة!
في الوقت الذي ظهر فيه التخلّف والتفكّك في المجتمع الإِسلامي، والتخلّي عن حمل لواء الحضارة، والأمن والسلام، حتى كان ما كان من بسط النفوذ الاستعماري على مقدّراتنا، كما يشهد الواقع!
وقد شهدت أوروبا في العصر الحديث حركات متعدّدة تتوخّى معالجة التخلّف، كما تتوخى مسح جراح الجماهير!
وأفقنا نحن من غفلتنا الطويلة على ضجيج الحضارة الغربيّة الحديثة ومخترعاتها!
وكما هي السنة الجارية من افتتان الضعفاء بالأقوياء، ساد الفكر- الثقافي المعاصر جَوٌّ من الإعجاب بالحركات السائدة في عالم الحضارة المعاصرة، يصحبه جَوٌّ من الشك فيما بين أيدينا من تراث عَقَدي وحضاري، وأمان وسلام، من حيث الصلاح للحياة الحديثة!
وأخذ هذا الصوت يخفت شيئاً فشيئاً، بعد أن تكشفت الأمور!
وجدير بنا أن نتعرّف الذي نام في النور!
ونتعرّف حال الذي استيقظ في الظلام!
الأول: يصدق على المسلمين، وأشعة الوحي تغمر ما حولهم، وتنير الطريق أمامهم إلى الأمن والسلام، وهم في غفلة!
والثاني: يصدق على أولئك الذين استيقظوا في الظلام، وساروا بقوَّة، وهم في حرمان من شعاع يهديهم الطريق!
ولا تزال النقائص تترى وتتتابع!
وليس هناك ما يحول دون ذلك!
وقصّة حقوق الإنسان مثل صادق لهذه المفارقات!
وقد ادعت الأمم الأخرى أن العالم الإنسانيّ مدين لها بتقرير حق المساواة، وحق الحريّة، وحق الأمن والسلام!
فذهبت أمّة إلى أنها أعرق شعوب العالم في هذا المضمار!
وزعمت أخرى أن هذه الاتجاهات جميعًا وليدة ثورتها!
وأنكرت أخرى على هذه وتلك هذا القول وأدعته لنفسها!
والحق أن (الدّين القيّم) هو أوّل من قرّر هذه المبادئ، في أكمل صورة وأوسع نطاق!
يظهر ذلك واضحاً جليًّا حين نذكر ميلاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر عام 1948 م!
في الوقت الذي تطالعنا فيه حقوق الإنسان منذ بعث الله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم!
ولا وجه للمقارنة بين حقوق الإنسان في الإعلان العالمي وحقوق الإنسان في الإِسلام!
يروي مسلم وغيره قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من حدثي طويل عن جابر رضي الله عنه:
"إِن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهليّة تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإِن أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد، فقتلته هذيل!
وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل رباً أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله!
فاتّقوا الله في النساء، فإِنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشَكم أحداً تكرهونه، فإِن
فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبَرِّح، ولهنّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف!
وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إِن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عنِّي، فما أنتم قائلون؟!
قالوا: نشهد أنك بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإِصبعه السبابة، يرفعها إِلى السماء وَينْكُتُها إِلى الناس:
اللهم! اشهد. اللهم! اشهد (ثلاث مرات) " (1).
وإذا كان العصر الحديث قد ألجأته ظروف التوتر المتتابعة، والقلق المتزايد، لإقامة هيئة الأمم، ومجلس الأمن والإعلان العالمي لحقوق الإنسان -كما عرفنا- فإن من معالم (الدين القيّم) إقامة هذا المؤتمر العالمي بخصائصه الحيّة، ووسائله المباركة، على أنه عبادة، وأن المنطقة التي يكون فيها منطقة محرّمة، يحرم فيها الجدال والفسوق، والتنابز والعقوق، كما يحرم التعرّض بالأذى لكل مخلوق، حتى وجدنا الطير يعيش دون ما خوف، في حرمة الزمان، وحرمة المكان!
وواضح أن هذه الضمانات لا يمكن أن تكون في المؤتمرات التي هي من صنع البشر، وهي تجعل للقويّ صوتاً نافذاً بما تعطيه من حق الاعتراض (الفيتو) كما يزعمون!
(1) مسلم: 15 - الحج (1218)، وفيه قصة طويلة .. والدارمي: 2: 44، 45، وابن الجارود (469)، والبيهقي: 5: 7 - 9، 49، والشافعي: 2: 54، والبغوي (1928)، وأبو داود (1905، 1906)، والنسائي: 1: 290، وابن ماجه (3074)، وابن حبان (1457).