الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليهوديّة، فكانوا يخرجون على أيديهم وأرجلهم كما لأشباح الذّابلة، تسبقهم الشائعات بأنهم قد ابتلعوا ذهبهم في بطونهم، فكان الجنود يفتحون بطونهم بعد قتلهم بحثاً عن الذّهب .. وبعد أن اقتحم (تيطس) وجنده المدينة أصدر أمره إليهم أن احرقوا وانهبوا واقتلوا؛ فأموال اليهود وأعراضهم حلال لكم .. وقد أحرق الرومان معبد اليهود ودمّروه!
نبوءة المسيح عليه السلام:
وتحقّقت نبوءة المسيح عليه السلام حين قال:
(ستلقى هذه الأرض بؤساً وعنتاً، وسيحلّ الغضب على أهلها وسيسقطون صرعى على حدّ السيف، ويسيرون عبيداً إلى كل مصر وستطأ أورشليم الأقدام). (1)
رابعاً: النكبة التي أنزلها الرومان بقيادة (تيطس) باليهود -من حيث آثارها- أشنع بكثير من النكبة التي أنزلها بهم (بخت نصر)؛ لأنهم بعد تنكيل (بخت نصر) بهم وسجنهم في أسره زهاء خمسين سنة، عادوا إلى أورشليم مرة أخرى بمساعدة (قورش) ملك الفرس، وبدأوا يتكاثرون من جديد .. أما بعد تنكيل الرومان بهم فلم تقم لهم قائمة، ومزّقوا في الأرض شرّ ممزّق، وانقطع دابرهم كأمّة، وقضي على كيان مجتمعهم .. ولقد وصل بالرومان أنهم في سنة 135 م دمّروا أورشليم تدميراً تاماً، وحرقوا أرضها، وخلطوها بالملح، حتى لا ينبت بها الزرع، وأقام الإمبراطور الروماني (أدريانوس) مكان الهيكل اليهوديّ هيكلاً وثنياً باسم الإله المشترى -إذ لم تكن الكنيسة قد اعترف بها بعد، وبقي هذا
(1) تدمير أورشليم: مجلة الأزهر: المجلة 21: 47 عمر طلعت زهران.
الهيكل إلى أن قامت المسيحيّة في أورشليم، فدمّره المسيحيّون من أساسه في عهد الإمبراطور (قسطنطين)، وقد صرّح بهذا المعنى صاحب (تاريخ الإسرائيلين) حيث قال بعد وصفه لما أوقعه (تيطس) بهم:(1)
(إلى هنا ينتهي تاريخ الإسرائيليين كأمّة، فإنهم بعد خراب أورشليم -كما تقدّم- تفرّقوا في جميع بلاد الله، وتاريخهم فيما بقي من العصور ملحق بتاريخ الممالك التي توطّنوا أو نزلوا فيها!).
وإذن فما أنزل (تيطس) ومن بعده من الرومان باليهود يعتبر -في رأينا- أشدّ وأقسى في ذاته وفي آثاره، مما أنزله (بخت نصر) بهم، بل لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا: إن ضربة (تيطس) الروماني هي أكبر عقوبة حلّت بهم منذ موت سليمان عليه السلام، حتى أواخر القرن الأوّل الميلادي!
ولهذه الأسباب نرجّح أن يكون المراد بالعباد الذين سلّطهم الله على بني إسرائيل عقب إفسادهم الثاني في الأرض هم الرومان بقيادة (تيطس)!
ومع ترجيحنا بأن المسلّط عليهم في المرّة الأولى (جالوت) وجنوده
…
وفي المرّة الثانية الرومان بقيادة (تيطس) .. مع ترجينا لذلك .. نعود فنكرّر ما قلناه سابقاً من أن المقصود من الآيات الكريمة إنما هو بيان سنّة من سنن الله الكونيَّة في الأمم حال صلاحها وفسادها!
(1) تاريخ الإسرائيليين: 77.