الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آيات الأنبياء:
وقد ضرب الله المثل في القرآن الكريم لهذه الآيات الحسّيّة المادّيّة التي أوتيها مَن ذُكِروا في القرآن من المرسلين .. وكان من أبينها وأكثرها ذكراً آيات موسى وعيسى عليهما السلام، وآياتهما أهدى الآيات الحسّيّة المادّيّة سبيلاً، وأظهرها إعجازاً، وأقواها حجّةً، وأبلغها أثراً!
فعصا موسى عليه السلام لها خصائص سائر العصيِّ في بعدها عن حلول نوع من الحياة فيها، وقد أخبر عنها موسى حين سئل من رب العزّة- سؤال تأنيس وتمهيد، لا سؤال استخبار- بقوله:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسَى (17)} (طه)! بما يعلمه عنها من حقيقتها الأصيلة، ومن الأسباب التي اتخذها لها، فقال:
من كل مأرب تؤديه عصا، فيدفع بها عن نفسه صولة عدوّ، ويقيمها عموداً ليسدل عليها ما يقيه من الحرّ والبرد، ولكنها حيثما أريد لها أن تجري على السنن الإلهيّة الخاصّة خرجت عن طبيعة العصا التي لا تحيلها الحياة إلى طبيعة أخرى قابلة للحياة، فانقلبت جانًّا يتحرّك، وثعباناً يلقف ما يأفك سحرة فرعون، بكل ما فيه من وسائل مادّيّة، وإلى أن ضرب بها موسى البحر فانفلق فلقتين، فكانت كل فلقة منه كالطّود العظيم في قوّة تماسك ذرّاته، والماء طبيعته سيّالة يستحيل عليها هذا التماسك في نواميس السنن
العامّة للكون، وإلى أن يضرب بها الحجر الصلد فينبجس منه الماء اثنتي، عشرة عيناً، لكل قوم من بني إسرائيل شرب معلوم منها!
وتصوير عيسى عليه السلام قطعةً من الطّين الذي له خصائص الطّين، بكل ما فيها من بعد ومنافاة للحياة على هيئة طائر، ثم ينفخ فيه فيصير طائراً بإذن الله، يتحرّك ويطير، ويذهب ويجيء، ويأكل ويشرب، ويغرّد ويرفرف!
ومسّه بيده الأكمه الذي لم ير النّور ببصره قطّ يجعله بصيراً بإذن الله!
ومسحه على الأبرص الذي ابتلي بداء عجز عنه طبّ عصره يشفيه من مرضه العضال!
ونداؤه الميّت الذي غير عليه من الزّمن ما غير، يقيمه من قبره بإذن الله إنساناً حيًّا، يتحرّك ويمشي ويتكلّم، ويفكّر ويخبر ويرشد ويسترشد!
والمقصود بذلك من هذه الآيات التي وقعت على يد هذين الرسولين الكريمين بيان أن سنن الله في الكون لا يقيّدها نظام الترابط الكونيّ في نواميس السنن العامّة!
ويطالعنا قوله جل شأنه:
{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)} (آل عمران)!
ونبصر حسم التعقيب في حقيقة عيسى عليه السلام وفي طبيعة الخلق والإرادة التي تنشئ كل شيء .. ولكن أيّة غرابة فيها حين تقاس إلى خلق آدم أبي البشر .. وتتجلّى حقيقة الخلق كله، وتدخل إلى النفس في يسر وفي وضوح
…
وتلك هي طريقة {الذِّكرِ الْحَكِيمِ} في مخاطبة الفطرة بالمنطق الفطري الواقعي في أعقد القضايا، وهي اليسر الميسور!
وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم ممترياً ولا شاكاً فيما يتلوه عليه ربّه في لحظة من لحظات حياته، وإنما هو التثبيت على الحق، ندرك عنه مدى ما كان يبلغه كيد أعداء الجماعة المسلمة في بعض أفرادها في ذلك الحين، كما ندرك ما تتعرض له الأمّة المسلمة في كل جيل من هذا الكيد، وضرورة تثبيتها على الحق الذي معها في وجه الكائدين والخادعين، ولهم في كل جيل أسلوب من أساليب الكيد جديد .. !
ونبصر الحقائق التي تقرّرها الآيات واضحة الدلالة!
ونبصر معجزات عيسى عليه السلام تتعلّق بإنشاء الحياة أو ردّها، أو ردّ العافية وهي فرع عن الحياة، ورؤية غيب بعيد عن مدى الرؤية .. وهي