الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمن عبر التاريخ:
ومن هنا نبصر أهميّة بيان الأصل والسلام عبر التاريخ في رحاب أول بيت وضع في الأرض للعبادة إلى أن تقوم الساعة!
= وأبو يعلى (661، 662)، والعقيلي: الضعفاء: 2: 136، والطبراني: الدعاء (903)، وابن السني: اليوم والليلة (641)، وابن عدي: الكامل: 3: 1121، والخطيب: 14: 324 - 325، والحاكم: 4: 285، والبغوي (1335)، وحسَّنه الحافظ: نتائج الأفكار، ونقله عنه ابن علان: الفتوحات الربَّانية: 4: 329، وقال: إنما حسَّنه الترمذي لشواهده، وقول الترمذي: غريب، أي بهذا السند!
وله شاهد عن ابن عمر: الدارمي: 2: 4، والطبراني: الكبير (13330)، وفي إسناده ضعف!
وعن عبد الله بن هشام قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلّمون هذا الدعاء وإذا أدخلت السنة أو الشهر: اللهم! أدْخله علينا ..
فذكر نحوه، قال الهيثمي، المجمع: 10: 139، رواه الطبراني: الأوسط، وإسناده حسن.
وتعقَّبه الحافظ في الحاشية بقوله: فيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف.
وانظر: الأحاديث الصحيحة (1816).
وما أحوجنا كأمّة أن نعرف معالم (ديننا القيّم)، الذي يحمل الكثيرون اسمه، ويجهلون كنهه، ويأخذونه بالوراثة والتقليد أكثر مما يجب أن يكونوا عليه من الفهم والسلوك، وأن يكيّفوا حياتهم في دائرة الإذعان والخضوع، والانقياد والخشوع، لأمر الله ورسوله:
رجاء أن نرى خير أمّة أخرجت للناس، تدعو إلى هذا (الدّين القيّم)، وترفع راية الأمن والإيمان والسلامة والإِسلام عبر التاريخ!
ولا سلام لعالم ضمير الفرد فيه لا يستمتع بالسلام، ومن ثم فإن الإيمان الحق هو الأساس، ومنهج (الدّين القيّم) هو المنهج الذي يدعو إلى الأمن والسلام!
ومعلوم أن التصوّر الإِسلامي للسلام العالمي له خصائص .. انطلاقاً من وحدة الوحي والمصدر: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)} (الشورى)!
والموُحِي هو الله عز وجل العزيز الحكيم!
والموُحَى إليهم هم رسل الله على مدار الزمان!
والوحي واحد في جوهره، على اختلاف الرسل، واختلاف الزمان! (1)
إنها حقيقة بعيدة البداية، ضاربة في أطواء الزمان، وسلسلة كثيرة الحلقات، ومنهج ثابت الأصول، على تعدّد الفروع!
وهذه الحقيقة -على هذا النحو- حين تستقرّ في ضمائر المؤمنين تشعرهم بأصالة ما هم عليه وثباته، ووحدة حقيقته وطريقه، وتشدّهم إلى مصدر هذا الوحي:{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)} !
(1) في ظلال القرآن: 5: 3139 وما بعدها بتصرف.
كما تشعرهم بالقرابة بينهم وبين المؤمنين أتباع الوحي، عبر آباد الزمان، وأبعاد المكان: فتلك أسرتهم تضرب في بطون التاريخ، وتمتدّ جذورها في شعاب الزمن، وتتصل كلها بالله في النهاية، فيلتقون فيه جميعاً!
وهو {الْعَزِيزُ} القويّ القادر {الْحَكِيمُ} الذي يوحي لمن يشاء بما يشاء، وفق حكمة وتدبير!
فأنّى يصرفون عن هذا المنهج الإلهيّ الواحد الثابت إلى السبل المتفرّقة التي لا تؤدّي إلى الله، ولا يعرف لها مصدر، ولا تستقيم على اتجاه قاصد قويم؟
وبعد ذلك مباشرة يطالعنا قوله تعالى:
وكثيراً ما يُخدع الناس فيحسبون أنهم يملكون شيئاً، لمجرد أنهم يجدون أشياء في أيديهم، مسخرةً لهم، ينتفعون بها، ويستخدمونها فيما يشاؤون .. ولكن هذا ليس ملكاً حقيقيًّا، إنما الملك لله عز وجل مالك الملك .. الذي يحيي ويميت .. ويملك أن يعطي البشر ما يشاء .. وأن يذهب بما في أيديهم من شيء .. وأن يضع في أيديهم بدلًا مما أذهب!
الملك الحقيقي لله الذي يحكم طبائع الأشياء، ويصرفها وفق الناموس المختار، فتلبي وتطيع، وتتصرّف وفق ذلك الناموس!
وكل ما في السماوات وما في الأرض من شيء (لله) بهذا الاعتبار الذي لا يشاركه فيه أحد سواه!
{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)} !
فليس هو المالك فحسب، ولكنه ملك العلوّ والعظمة، على وجه التفرّد كذلك!
العلوّ الذي كل شيء بالقياس إليه سفول، والعظمة التي كل شيء بالقياس إليها ضآلة!
ومتى استقرّت هذه الحقيقة استقراراً صادقاً في الضمائر، عرف الناس إلى أين يتجهون فيما يطلبون لأنفسهم من خير ومن رزق ومن كسب، فكل ما في السماوات وما في الأرض (لله) الذي بيده العطاء!
{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)} !
الذي لا يصغر ولا يسفل من يمدّ يده إليه بالسؤال، كما لو مدّها إلى مخاليق، وهم ليسوا بأعلياء ولا عظماء!
ثم يعرض مظهراً لخلوص الملكيّة (لله) في الكون، وللعلوّ والعظمة كذلك .. يتمثّل في حركة السماوات تكاد تنفطر من روعة العظمة التي تستشعرها (لله)، ومن زيغ بعض من في الأرض عنها!
كما يتمثّل في حركة (الملائكة) يسبحون بحمد ربهم، ويستغفرون لمن في الأرض من انحرافهم وتطاولهم:
السماوات، هذه الخلائق الضخمة الهائلة التي نراها تعلونا، حيثما كنّا على ظهر هذه الأرض، والتي لا نعلم إلا أشياء قليلة عن جانب منها صغير!
وقد عرفنا حتى اليوم أن بعض ما في السماوات نحو من مائة ألف مليون مجموعة من الشموس، في كل منها نحو مائة ألف مليون شمس كشمسنا هذه، التي مبلغ حجمها أكثر من مليون ضعف من حجم أرضنا الصغيرة!
وهذه المجموعات من الشموس التي أمكن لنا -نحن البشر- أن نرصدها بمراصدنا الصغيرة متناثرةً في فضاء السماء مبعثرةً، وبينها مسافات شاسعة تحسب بمئات الألوف والملايين من السنوات الضوئيّة، أي المحسوبة بسرعة الضوء التي تبلغ 000/ 168 ميل في الثانية!
هذه السماوات التي عرفنا منها هذا الجانب الصغير المحدود يكدن يتفطّرن من فوقهن .. من خشية الله وعظمته وعلوه .. وإشفاقاً من انحراف بعض أهل الأرض، ونسيانهم لهذه العظمة التي يحسّها ضمير الكون، فيرتعش وينتفض، ويكاد ينشق من أعلى مكان فيه!
والملائكة دائبون في تسبيح ربّهم، لما يحسّون من علوه وعظمته، ولما يخشون من التقصير في حمده وطاعته.
بينما أهل الأرض المقصّرون الضعاف ينكرون وينحرفون، فيشفق الملائكة من غضب الله ويروحون يستغفرون لأهل الأرض، مما يقع من معصية وتقصير!
وهنا نبصر تقرير معنى عظمة الله تعالى وجلاله، المدلول عليهما بقوله:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)} !
مرتبة واجب الوجود سبحانه، وهو أهل التنزيه والحمد! (1)
ومرتبة الروحانيّات، وهي الملائكة، وهي واسطة المتصرّف القدير،
(1) التحرير التنويري: 25: 31.
ومفيض الخير في تنفيذ أمره، من تكوين وهدى وإفاضة الخير على الناس .. فهي حين تتلقّى من الله أوامره تسبّحه وتحمده .. وحين تفيض خيرات ربّها على عباده تستغفر للذين يتقبّلونها تقبّل العبيد المؤمنين بربّهم!
وتلك إشارة إلى حصول ثمرات إبلاغها، وذلك بتأثيرها في نظم أحوال العالم الإنساني!
ومرتبة البشريّة المفضّلة بالعقل، إذا أكمله الإيمان:
{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} !
ونبصر استغفار الملائكة للدَّين آمنوا ونحن نقرأ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} (غافر)!
ويطالعنا إشفاق الملائكة من أيّة معصية تقع في الأرض، حتى من الذين آمنوا .. وكم يرتاعون لها فيستغفرون ربّهم، وهم يسبّحون بحمده استغفاراً لعلوّ عظمته .. واستهوالًا لأيّة معصية تقع في ملكه .. واستدراراً لمغفرته ورحمته، وطمعاً فيهما:{أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)} !
فيجمع إلى العزّة والحكمة العلوّ والعظمة، ثم المغفرة والرحمة .. ويعرف العباد ربهم بصفاته!
وتبدو للضمير صورة هؤلاء المناكيد التعساء، وهم يتخذون من دون الله أولياء، وأيديهم مما كسبت خاوية، وليس هنالك إلا الهباء! (1).
(1) في ظلال القرآن: 5: 3141 بتصرف.