الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:
وأمّا عن الحكمة في اختصاص كل نبيّ بالسماء التي التقاه بها، فقد اختلف في ذلك، كما يقول ابن حجر (1) فقيل: ليظهر تفاضلهم في الدرجات، وقيل: لمناسبة تتعلّق بالحكمة في الاقتصار على هؤلاء دون غيرهم من الأنبياء، فقيل: أمروا بملاقاته، فمنهم من أدركه من أوّل وهلة، ومنهم من تأخّر فلحق، ومنهم من فاته، وهذا زيفه السهيلي فأصاب، وقيل: الحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين للإشارة إلى ما سيقع له صلى الله عليه وسلم مع قومه، من نظيرما وقع لكل منهم:
فأمّا آدم فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنّة إلى الأرض، بما سيقع للنبيّ صلى الله عليه وسلم من الهجرة إلى المدينة، والجامع ما حصل لكل منهما من المشقّة، وكراهة فراق ما ألفه من الوطن، ثم كان مآل كل منهما أن يرجع إلى موطنه الذي أخرج منه!
وبعيسى ويحيى على ما وقع له من أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم في البغي عليه، وإرادتهم وصول السوء إليه!
وبيوسف على ما وقع له من قريش في نصبهم الحرب له، ولإرادتهم هلاكه، وكانت العاقبة له!
وبإدريس على رفيع منزلته عند الله!
وبهارون على أن قومه رجعوا إلى محبّته بعد أن آذوه!
(1) فتح الباري: 7: 210 - 211 بتصرف.
وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه!
وبإبراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وسلم في آخر حياته من إقامة مناسك الحج، وتعظيم البيت!
قال ابن حجر: وهذه مناسبات لطيفة، أبداها السهيلي، فأوردتها منقحة ملخصة. (1)
وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في كون آدم في السماء الدّنيا؛ لأنه أوّل الأنبياء، وأوّل الآباء، وهو أصل، فكان أوّلاً في الأولى، ولأجل تأنيس النبوّة بالأبوّة!
وعيسى في الثانية؛ لأنه أقرب الأنبياء عهداً من محمَّد!
ويليه يوسف؛ لأن أمّة محمَّد تدخل الجنة على صورته!
وإدريس في الرابعة، لقوله تعالى:{وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيَّا (57)} (مري)!
والرابعة من السبع وسط معتدل!
وهارون لقربه من أخيه موسى!
وموسى أرفع منه لفضل كلام الله!
وإبراهيم؛ لأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدّد للنبيّ صلى الله عليه وسلم بلقيه أُنساً، لتوجّهه بعده إلى عالم آخر، وأيضاً فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل، ومنزلة الحبيب أرفع منزلته، فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى!
(1) انظر: الروض الأنف: 2: 157 - 158.