الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الأولى وردّها:
قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: زاد فيه -يعني شريكًا- زيادةً مجهولةً، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفّاظ .. فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث.
وسبق إلى ذلك أبو محمَّد بن حزم فيما حكاه الحافظ أبو الفضل بن طاهر في جزء سماه (الانتصار لأيامى الأنصار) فنقل عنه الحميدي عن ابن حزم قال: لم نجد للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئًا لا يحتمل مخرجًا إلا حديثين، ثم غلبه في تخريجه (1) الوهم، مع إتقانهما وصحة معرفتهما، فذكر هذا الحديث، وقال: فيه ألفاظ معجمة، والآفة من شريك، من ذلك قوله (قبل أن يوحى إليه)! (2)
قال ابن حجر (3) في جملة (قبل أن يوحى إليه): وهو غلط لم يوافق عليه! وأجمع العلماء أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون قبل الوحي؟ وقال: صرّح المذكورون بأن شريكًا تفرّد بذلك، وفي دعوى التفرّد نظر، فقد وافقه كثير بن خنيس -بمعجمة ونون مصغّر- عن
(1) كذا في فتح الباري: 13: 484 ولعلها تخريجهما ليتسق مع المعنى!
(2)
السابق: 484 - 485، وانظر: مسلم بشرح النوويّ: 2: 210.
(3)
فتح الباري: 13: 480، وانظر: إكمال إكمال المعلم: 1: 314.
أنس، كما أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في (كتاب المغازي) من طريقه!
وقال ابن حزم: الآفة من شريك (1)، ورد أبو الفضل بن طاهر على ذلك بقوله:(2)
تعليل الحديث بتفرّد شريك، ودعوى ابن حزم أن الآفة منه شيء لم يسبق إليه، فإن شريكًا قبله أئمة الجرح والتعديل ووثّقوه، ورووا عنه، وأدخلوا حديثه في تصانيفهم، واحتجوا به، وروى عبد الله بن أحمد الدورقي، وعثمان الدارمي، وعباس الدوري، عن يحيى بن معين: لا بأس به، وقال ابن عديّ: مشهور من أهل المدينة. حدّث عنه مالك وغيره من الثقات، وحديثه إذا روى عنه ثقة لا بأس به، إلا أن يروي عنه ضعيف، قال ابن طاهو: وحديثه هذا رواه عنه ثقة، وهو سليمان بن بلال، قال: وعلى فرض تسليم تفرّده (قبل أن يوحى إليه) لا يقتضي طرح حديثه، فوهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث، ولا سيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور، ولو ترك حديث من وهم في تاريخ لترك حديث جماعة من أئمة المسلمين، ولعله أراد أن يقول: بعد أن أوحي إليه، فقال:(قبل أن يوحى إليه)!
قلت: ومما يقوّي هذا قوله في نفس الحديث (وقد بعث؟ قال:
(1) توجيه النظر: 137.
(2)
فتح الباري: 13: 485.
نعم)، ومن هنا كان هذا التأويل أولى، حتى يمكن الجمع، ومع هذا يمكن أن يكون الملائكة الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه، أتوه ليلة أخرى، كما جاء في الحديث أيضًا (حتى أتوه ليلة أخرى)، ولم يعيّن المدّة التي بين الحديثين -كما يقول ابن حجر- (1) فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد أن أوحي إليه، وحينئذ وقع الإسراء والمعراج!
وإذا كان بين المجيئين مدّة فلا فرق في ذلك بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة أو ليالي كثيرة أو عدة سنين، وبهذا يرتفع الإشكال عن رواية شريك، ويحصل به الوفاق، أن الإسراء كان في اليقظة، بعد البعثة، وقبل الهجرة، ويسقط تشنيع الخطَّابي وابن حزم وغيرهما بأن شريكًا خالف الإجماع في دعواه أن المعراج كان قبل البعثه!
وأما ما ذكره بعض الشرّاح: أنه كان بين الليلتين اللتين أتاه فيهما الملائكة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع، وقيل: عشر. وقيل: ثلاث عشرة، فيحمل على إرادة السنين، لا كما فهمه الشارح المذكور أنها ليال، وبذلك جزم ابن القيمّ في هذا الحديث نفسه!
قلت: وبهذا يتبيّن أن شريكًا قبله كثير من أئمة الجرح والتعديل وأن هذا الحديث رواه عنه ثقة، وأنه لم يتفرّد به، ولا إشكال في الجمع بين قوله:(قبل أن يوحى إليه) وقوله: (وقد بعث؟ قال: نعم)!
وأجاب بعضهم عن قوله: (قبل أن يوحى إليه) بأن القبليّة هنا في
(1) السابق، بتصرف.