الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمّا ظن الخطابي أن إيليا اسم رجل ففيه نظر، بل هو اسم البلد، فأضيف إليه المسجد، كما يقال مسجد المدينة، ومسجد مكّة!
وقال أبو عبيد البكري في (معجم البلدان): إيليا مدينة بيت المقدس، فيه ثلاث لغات: مدّ آخره، وقصره، وحذف الياء الأولى!
وعلى ما قاله الخطابي يمكن الجمع بأن يقال: إنها سمّيت باسم بانيها كغيرها، والله أعلم!
تلك هي الأقوال في بيان معنى الحديث كما أوردها الحافظ ابن حجر، رأيت ضرورة ذكرها لأهميّة ذلك!
وقال الحافظ: قيل له الأقصى، لبعد المسافة بينه وبين الكعبة!
وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة!
وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث، والمقدّس: المطهّر عن ذلك!
في رحاب سورة الإسراء:
وسبق أن عرفنا فضل الصلاة في المسجد الأقصى .. وأنه قلب الأرض المقدّسة .. ومن ثمَّ نبصر الحديث عن سيرة موسى وبني إسرائيل، ونحن نقرأ:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)} (الإسراء)!
وهذا الحديث في سورة الإسراء يتضمَّن نهاية بني إسرائيل التي صاروا إليها (1)؛ ودالت دولتهم بها، وتكشف عن مصارع الأمم وفشوّ الفساد فيها، وفاقاً لسنة الله عز وجل المذكورة في قوله تعالى في نفس السورة:
وتطالعنا الآيات بذكر كتاب موسى -التوارة- وما اشتمل عليه من إنذار لبني إسرائيل، وتذكير لهم بما سبق من ذكر نوح والأوّلين الذين حملوا معه في السفينة، ولم يُحمل معه إلا المؤمنون:
ذلك الإنذار، وهذا التصديق مصدّق لوعد الله الذي يتضمّنه سياق السورة كذلك بعد قليل:
(1) في ظلال القرآن: 4: 2212 وما بعدها بتصرف، والرسول صلى الله عليه وسلم واليهود وجهاً لوجه: 423 وما بعدها.
وقد نصّ على القصد الأول من إيتاء موسى الكتاب:
ولقد خاطبهم باسم آبائهم الذين حملهم مع نوح، وهم خلاصة البشريَّة على عهد نوح عليه السلام .. ليذكرهم بهذا النسب، واستخلاص آبائهم الأوّلين .. مع نوح العبد الشكور، وليردّهم إلى هذا النسب المؤمن العريق!
ووصف نوحاً بالعبوديّة لهذا المعنى ولمعنى آخر، هو تنسيق صفة الرسل المختارة وإبرازها .. وقد وصف بها محمداً صلى الله عليه وسلم من قبل، على طريقة التناسق القرآنية في جو السورة وسياقها!
ومعلوم أن الذين تترهّل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة، وتستهتر بالقيم، والمقدسات والكرامات، وتلغ في الأعراض والحرمات .. إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم عاثوا في الأرض فساداً، ونشروا الفاحشة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب الراقية إلا بها ولها!
ومن ثمَّ تتحلّل الأمّة وتسترخي، وتفقد حيويتها، وعناصر قوّتها، وأسباب بقائها، فتهلك وتطوى صفحتها!
وإذا ما قدّر الله لقرية أنها هالكة؛ لأنها أخذت بأسباب الهلاك، فكثر فيها المترفون، فلم تضرب على أيديهم، سلّط الله هؤلاء المترفين ففسقوا فيها، فعم فيها الفسق، فتحلّلت وترهّلت، فحقّت عليها سنّة الله، وأصابها الهلاك والدمار، ونزل الضياع والبوار!
وهي المسؤولة عما يحل بها؛ لأنها لم تضرب على أيدي هؤلاء المفسدين، ولم تصلح من نظامها الذي يسمح بوجود هؤلاء المتحلّلين، فوجودهم ذاته هو السبب الذي من أجله سلّطهم الله عليهم ففسقوا، ولو أخذت عليهم الطريق فلم تسمح لهم بالظهور فيها ما استحقّت الهلاك، وما سلّط الله عليها من يفسق فيها ويفسد فيقودها إلى الهلاك!
إن الله قد جعل للحياة البشرية نواميس لا تتخلّف، وسنناً لا تتبدّل، وحين توجد الأسباب تتبعها النتائج، فتنفذ إرادة الله، وتحق كلمته!
والله لا يأمر بالفسق، ولا يأمر بالفحشاء، لكن وجود هؤلاء في ذاته دليل على أن الأمّة قد تخلخل بناؤها، وسارت في طريق الانحلال، وأن قدر الله سيصيبها جزاءً وفاقاً .. وهي التي تعرّضت لما أصابها بسماحها لهؤلاء بالوجود والحياة!
فالإرادة هنا ليست إرادة للتوجيه القهري الذي ينشئ السبب؛ ولكنها ترتّب النتيجة على السبب .. الأمر الذي لا مفرّ منه؛ لأن السنّة جرت به .. والأمر ليس أمراً توجيهياً إلى الفسق، ولكنه إنشاء النتيجة الطبيعيّة المترتّبة على وجود هؤلاء المترفين، وهي الفسق!
وهنا تبرز تبعة الجماعة في ترك النظم الفاسدة تنشئ آثارها التي لا مفرّ منها، وعدم الضرب على أيدي المفسدين فيها، كي لا يفسقوا فيها فيحقّ عليها القول فيدمّرها تدميراً!
هذه السنة قد مضت في الأوّلين من بعد نوح، قرناً بعد قرن، كلما فشا التحلّل في أمّة انتهى بها إلى ذلك المصير، والله هو الخبير بذنوب عباده، البصير:
ونبصر الحديث في الآيات التي معنا يبدأ بذكر كتاب موسى وما اشتمل عليه من إنذار لبني إسرائيل، وتذكير لهم بهذا النبي -نوح- العبد الشكور، والأوّلين الذين حملوا معه في السفينة:
ذلك الإنذار وهذا التذكير مصداق لوعد الله الذي يتضمّنه سياق السورة كذلك، وذلك ألاّ يعذّب الله قوماً، حتى يبعث إليهم رسولًا ينذرهم ويذكّرهم .. وقد نصّ على هذا -كما سبق- ومن ثم فلا اعتماد إلا على الله وحده، فهذا هو الهُدى وهذا هو الإيمان .. ولقد خاطبهم باسم الآباء الذين حملهم مع نوح، وهم خلاصة البشريَّة على عهده .. ليذكّرهم باستخلاص الله للأوّلين، مع نوح العبد الشكور، وليردّهم إلى هذا النسب المؤمن العريق!
في ذلك الكتاب الذي آتاه الله لموسى عليه السلام ليكون هدى لبني إسرائيل، أخبرهم بما قضاه عليهم من تدميرهم بسبب إفسادهم في الأرض .. وتكرار هذا التدمير مرّتين، لتكرّر أسبابه من أفعالهم .. وأنذرهم بمثله كلما عادوا إلى الإفساد في الأرض، كما قضى الله سنته الجارية التي لا تتخلّف: