الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:
يطالعنا في المقدمة بطلان هذه القصة المزعومة سنداً ومتناً .. وسبق أن ذكرت ذلك بالتفصيل في كتاب (السنة بين أنصارها وخصومها)(1).
والخلاصة أن بعض الناس يزعم أن سبب رجوع المهاجرين من الحبشة كان لوقوع هدنة حقيقيّة بين الإِسلام والوثنيّة، أساسها أن محمداً صلى الله عليه وسلم تقرّب إلى المشركين بمدح أصنامهم، والاعتراف بمنزلتها؛ إذ زعموا أنه قرأ على المشركين سورة (النجم) حتى وصل قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} (النجم)!
ألقى الشيطان في آذن المشركين قوله: (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى)! فسجد وسجد كفار مكّة، فلمّا بلغهم ذلك في الحبشة ظنوا أن القوم قد أسلموا لهذه القصة المزعومة!
وممن روى هذه القصة المزعومة ابن سعد، والطبري، والبيهقي. (2)
ولم يروها أحد من أصحاب الكتب الستة والإمام أحمد، ولا غيرهم من أصحاب الكتب المعتمدة على التحرير!
قال ابن كثير: (3) وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق،
(1) السنة بين أنصارها وخصومها للمؤلف: 2: 622 وما بعدها، رسالة دكتوراة عام 1976، تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بطبعها على نفقة جامعة الأزهر وتداولها مع الجامعات.
(2)
الطبقات: 1: 205 - 206 من طريق الواقدي، والطبري: التفسير: 17: 131 - 132، وفي إسناده أبو معشر، والبيهقي: الدلائل: 2: 285 - 287 بسند ضعيف.
(3)
التفسير: 3: 229.
ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم!
وللقاضي عياض (1) عدّة مآخذ، وفي ذلك يقول:
أما المأخذ الأول أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده، واختلاف كلماته، وإنما أولع به وبمثله المفسّرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقّفون من الصحف كل صحيح وسقيم!
وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي، حيث قال:
لقد بُلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلّق بذلك الملحدون، مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده، واختلاف كلماته، فقائل يقول: إنه في الصلاة، وآخر يقول: قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة!
وآخر يقول: قالها وقد أصابته سنَةٌ!
وآخر يقول: بل حدّث نفسه فسها!
وآخر يقول: إن الشيطان قالها على لسانه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والله! ما هكذا نزلت، إلى غير ذلك من اختلاف في الرواة!
ومَن حُكيَتْ هذه الحكاية عنه من المفسّرين والتابعين، لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية، والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن
(1) الشفا: 2: 132 وما بعدها، دار الأرقم.