الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدقهم، وفي تعقلهم، وتأتيهم للأمور من مداخلها في ريث وأناة، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يشدّ على أيدي صاحبيه: الصدّيق أبي بكر، وعلي بن أبي طالب: أيّة أخلاق كانت للعرب في الجاهلية؟ ما أشرفها .. بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم"!
47 - درس للدعاة:
هذا لون من الأحداث التي عرضت للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعرض نفسه على الناس في منازلهم، يدعوهم إلى توحيد الله، ويبلّغهم رسالة الله، وقد اخترنا ونختار منها ما كان له أثر قويّ في دفع سير الرسالة إلى أهدافها أو كان له أثر في بيان صور الكفاح الصبور، الذي درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أطوار دعوته، ليكون من ذلك نماذج لورثة تبليغ الدعوة من بعده صلى الله عليه وسلم، يحتذونها، ومُثُلاً يتقلّدونها، أداء لما قلّدوه من وجوب القيام بنشر دين الله في أرجاء العالم!
وسبق أن عرفنا في تلك الساعات الأولى التي أشرقت فيها شمس الرسالة، قول ورقة: (يا ليتني فيها جذعاً، ليتني كون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أو مخرجيّ هم؟! " قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت بها إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزَّراً
…
).
ونتصوَّر مرّة بعد مرّة صور الإيذاء والتعذيب، والسخرية والاستهزاء -كما سبق- مما يعجز الخيال الشاخص عن تصوّره، تتوالى وتتواكب، تهزّ النفوس هزًّا، ولا يتلقّى الحس ذلك إلا بهول وروع!
ألا إنه لأمرٌ أمرّ من كل أمر!
ونتصوّر مشقّة الصبر أمام انتعاش الاضطهاد والتعذيب وانتفاخ الباطل وتورّمه .. وإمساك النفس على هذا راضيةً مطمئنّة إلى قدر الله -كما عرفنا- لا تتلفّت ولا تتردّد، يقيناً بوعد الله. وطلباً لمرضاته، وحنيناً إلى رضوانه .. ترقب رعاية القدرة التي لا أمن إلا في جوارها، والتي لا تقرب المخاوف من حماها!
ومن ثُمَّ أبصرنا استعلاء النفس المطمئنّة على الضرَّاء، فلا تصغر، والسرَّاء فلا تبطر، واللأواء، فلا تجزع ولا تضجر .. حيث تشرئب الأعناق، وتهفو القلوب. وتأنس النفوس، وترفرف الأرواح!
ويطالعنا قول الله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} (العنكبوت).
ونبصر استفهاماً استنكارياً لمفهوم الناس للإيمان، وحسبانهم أنه كلمة تقال باللسان ليس لها في الجَنان مكان .. ونبصر الإيمان أمانة الله في الأرض، لا يحملها إلا من هم لها أهل، وفيهم على حملها قدرة، وفي قلوبهم تجرّد وإخلاص!
ونبصر الحق أصيلاً في طبيعة الكون، عميقاً في تكوين الوجود .. ونبصر الباطل، لا أصالة فيه، ولا سلطان له، يطارده الحق فيدمغه، ولا بقاء لشيء يقذفه الحق فيدمغه:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (الأنبياء: 18)!
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} (يوسف)!