المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ السؤال عن الروح: - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: ‌ السؤال عن الروح:

‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

ولم يقف أمر هؤلاء عند حد هذا السبّ للقرآن ومنزله من وجاء به، فقد اتصلوا باليهود للإتيان منهم بأسئلة تعجيزيّة كما يتصوّرون للرسول صلى الله عليه وسلم:

-‌

‌ السؤال عن الروح:

يروي أحمد وغيره بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (1): قالت قريش ليهود: أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الرُّوح، فسألوه، فنزلت:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} (الإسراء)!

قالوا: أوتينا عِلْماً كثيراً، أُوتينا التوراة، ومَن أوتِيَ التوراة، فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزل الله عز وجل:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ} (الكهف: 109)!

ويروي الشيخان وغيرهما عن عبد الله قال: بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في خِرَب المدينة وهو يتوكّأ على عسيبٍ معه فمرّ بنفر من اليهود، فقال بعضهم لبعض (2): سلوه عن الرّوح، وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يجيء

(1) أحمد: 1: 255، والترمذي (3140)، والنسائي: التفسير (334)، والكبرى (11314)، وأبو يعلى (2501)، والحاكم: 2: 531، والبيهقي:"الدلائل": 2: 269، وابن حبان (99).

(2)

البخاري: 13 العلم (125)، وانظر (4721، 7297، 7456، 7462)، ومسلم (2794) وأحمد: 1: 389، 444، والترمذي (3141)، والنسائي: التفسير (319)، والكبرى (11299)، والطبري: التفسير: 15: 155، والشاشي (369)، والطبراني: الصغير (1003)، والواحدي: أسباب النزول: 299، وابن حبان (98).

ص: 903

فيه بشيء تكرهونه، فقال بعضهم: لنسألنّه، فقام رجل منهم، فقال: يا أبا القاسم، ما الرُّوح؟ فسكت، فقلت: إِنه يوحى إِليه، فقمت، فلمَّا انجلى عنه، فقال:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء]

قال ابن حجر: في رواية عن ابن عباس عند الطبري، "فقالوا: أخبرنا عن الروح؟ " قال ابن التين: اختلف الناس في المراد بالروح المسؤول عنه في هذا الخبر على أقوال (1):

ثم قال: وقد روى ابن إسحاق في تفسيره بإسناد صحيح عن ابن عباس، قال: الروح من الله، وخلق من خلق الله وصور كبني آدم، لا ينزل ملك إلا معه واحد من الروح، وثبت عن ابن عباس أنه كان لا يفسر الروح، أي لا يعين المراد في الآية!

وقال الخطابي: حكوا في المراد بالروح في الآية أقوالاً:

قيل: سألوه عن جبريل!

وقيل: عن ملك له ألسنة!

وقال الأكثر: سألوه عن الروح التي تكون بها الحياة في الجسد!

وقال أهل النظر: سألوه عن كيفيّة مسلك الروح في البدن، وامتزاجه به، وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه!

وقال القرطبي: الراجح أنهم سألوه عن روح الإنسان؛ لأن اليهود لا تعترف بأن عيسى روح الله، ولا تجهل أن جبريل ملك، وأن الملائكة أرواح!

وقال الرازي: المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة، وأن

(1) انظر: فتح الباري: 8: 402 وما بعدها.

ص: 904

الجواب وقع على أحسن الوجوه، وبيانه أن السؤال عن الروح يحتمل عن ماهيته، وهل هي متحيّزة أم لا؟ وهل هي حالة في متحيّز أم لا؟ وهل هي قديمة أو حادثة؟ وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى؟ وما حقيقة تعذيبها ونعيمها؟ وغير ذلك من متعلقاتها؟

وليس في السؤال ما يخصّص أحد هذه المعاني، إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهية، وهل الروح قديمة أو حادثة؟!

والجواب يدل على أنها شيء موجود مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها، فهو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث، وهو قوله تعالى {كُنْ} فكأنه قال: هي موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه، ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه!

قال: ويحتمل أن المراد بالأمر في قوله: {مِنْ أَمْرِ رَبِّي} الفعل، كقوله:

{وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)} (هود)!

أي فعله، فيكون الجواب الروح من فعل ربّي!

وإن كان السؤال هل هي قديمة أو حادثة؟ فيكون الجواب إنها حادثة!

إلى أن قال: وقد سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء، والتعمّق فيها!

وغاب عن هؤلاء أن المنهج الأقوم في هذا الدّين في حدود ما يستطيع الإدراك البشري بلوغه ومعرفته (1)؛ فلا يبدّد الطاقة العقليّة التي وهبها الله للناس فيما لا ينتج ولا يثمر!

وليس في هذا حجر على العقل البشري أن يعمل، ولكن فيه التوجيه لهذا

(1) في ظلال القرآن: 4: 2249 بتصرف.

ص: 905

العقل في حدوده وفي مجاله الذي يدركه، فلا جدوى من الخبط في التّيه، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه؛ لأنه لا يملك وسائل إدراكه، والروح غيب من غيب الله لا يدركه سواه، وسرّ من أسراره القدسيّة أودعه هذا المخلوق البشري وبعض الخلائق التي لا نعلم حقيقتها!

وعلم الإنسان محدود بالقياس إلى علم الله المطلق، وأسرار هذا الوجود أوسع من أن يحيط بها العقل البشري المحدود! والإنسان لا يدبر هذا الكون، فطاقاته ليست شاملة، إنما وهب منها بقدر محيطه، وبقدر حاجته، ليقوم بالخلافة في الأرض، ويحقّق ما شاء الله أن يحقّقه، في حدود علمه القليل!

ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع، ولكنه وقف حسيراً أمام ذلك السرّ اللطيف {الرُّوح} لا يدري ما هو، ولا كيف جاء، ولا كيف يذهب، ولا أين كان، ولا أين يكون، إلا ما يخبر به العلم الخبير في التنزيل!

وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما أسلفنا- وكان قد قدمِ من الحيرة .. ويدَّعي أنه أحسن حديثاً .. ويحدّثهم عن ملوك فارس ورستم وغيرهما .. (1)

قال ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني: سأنزل مثل ما أنزل الله! (2)

قال ابن إسحاق (3): وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول، فيما بلغني: نزل فيه ثمان آيات من القرآن، قول الله عز وجل:{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)} (القلم)، (المطففين: 13).

(1) انظر السيرة النبوية: ابن هشام: 1: 370، والروض الأنف: 2: 52.

(2)

انظر: السابق.

(3)

السيرة النبوية: 1: 371 وما بعدها معلقاً، والبيهقي:"الدلائل": 2: 269 - 270، وأحمد: الفتح الرباني: 18: 196 - 197، وانظر: الفتح: 8: 401.

ص: 906

وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن (1)!

فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه، وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، وقالوا لهما:

سلاهم عن محمد، وصفا لهم صفته، وأخبراهم بقوله. فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علمَ ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتَّى قدما المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفا لهم أمره، وأخبراهم ببعض قوله. وقالا لهم:

إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا،، فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبيّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل، فَرَوْا فيه رأيكم!

سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجيب؟

وسلوه عن رجل طوَّاف، قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟

وسلوه عن الرُّوح، ما هي؟

فإذا أخبركم بذلك فاتّبعوه، فإنه نبيّ، وإن لم يفعل، فهو رجل متقوّل، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم!

(1) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

ص: 907

فأقبل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعيط بن أبي عمرو بن أميّة ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصيّ، حتى قدما مكّة على قريش، فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أَمَرُونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبيّ، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل، فرَوْا فيه رأيكم!

فجاؤوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، قد كانت لهم قصة عجب!

وعن رجل كان طوّافاً قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها!

وأخبرنا عن الرّوح ما هي؟

قال: فقال لهم صلى الله عليه وسلم:" أخبركم بما سألتم عنه غداً " ولم يستثن، فانصرفوا عنه.

فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما يذكرون- خمس عشرة ليلة، لا يُحْدث الله إليه في ذلك وحياً؟، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجفَ أهل مكة وقالوا: وعَدنا محمد غداً، واليوم خمس عشرة ليلة، قد أصبحنا منها، لا يخبرنا بشيء، مما سألناه عنه، وحتى أحزنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مُكْث الوحي عنه، وشقّ عليه ما يتكلّم به أهل مكة!

ثم جاءه جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف. فيها معاتبته إيّاه على حزنه عليهم. وخبر ما سألوه عنه من أمر الله: الفتية، والرجل الطوَّاف، والروح! (1)

(1) انظر: السيرة النبوية: 1: 373.

ص: 908