الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشارعه مفعمةٌ بالواردين، ومسالكه مليئةٌ بالقاصدين، وروّاده قوافلهم متواصلةٌ لا تنقطع، وداخلو ساحته متوافدون، لا قوّة تدفعهم إليه إلَّا قوّة الحق فيه، ولا وسائل تجذبهم إليه إلَّا وسيلة الرّغبة فيه!
وإلى هذه الحقائق والمعاني أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله الجامع فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أعْطي من الآيات ما مثله آمَن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحْياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة"(1).
الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم
-:
وإذا كان القرآن العظيم هو الآية العظمى، والمعجزة الكبرى التي وقع بها التحدّي للدلالة على صدق نبيّنا محمَّد- صلى الله عليه وسلم، ولا يزال هذا التحدّي قائماً إلى يوم القيامة، في كل زمان ومكان، وجيل من الناس وقبيل، مهما بلغت الحياة من أطوار التقدّم العلميّ، لما فيها من أبديّة الهداية التي لا تنتهي، كما انتهت الآيات الحسّيّة المادّيّة التي أوتيها رسُل الله تعالى برهاناً على صدق دعواهم في رسالاتهم -فقد أوتي نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم من الآيات الحسّيّة المادّيّة، وعجائب خرق نواميس الترابط المادّيّ في عناصر الكون ما لم يؤت مثله كيفاً وكمًّا نبيّ من الأنبياء عليهم السلام!
(1) البخاري: 66: فضائل القرآن (4981)، وانظر (7274)، ومسلم (152).
ومن الآيات الحسّيّة المادّيّة التي أوتيها نبيّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، والتي لم تدخل في إطار التحدّي بها، ما ثبت وفق قواعد التحديث روايةً ودرايةً!
وإذا كانت معجزات الأنبياء السابقين في صورها العامّة ملائمة لما اشتهر في زمان كل رسول، حتى إذا ما عجز الناس عن الإتيان بمثلها كان ذلك أكبر شاهد على صدق من ظهرت على يديه .. فقد شاء الحق جلّ شأنه أن يجمع الفضل من أطرافه، لخاتم رسله، فأعطاه معجزات حسّيّة؛ لأن الناس ليسوا سواء في الإدراك والتفكير، ومن ثم أوتي من الآيات المتكاثرة ما لم يؤت غيره من الأنبياء .. ولو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلاً منيفاً على سائر المعجزات!
ونقل البيهقي عن الشافعي أنه قال:
ما أعطى الله نبيًّا إلا أعطى الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ما هو أكثر منه، فقيل له: أعطى عيسى ابن مريم إحياء الموتى، فقال الشافعي: حنين الجذع أبلغ؛ لأن حياة الخشبة أبلغ من إحياء الميّت، ولو قيل: كان لموسى فلق البحر، عارضناه بفلق القمر، وذلك أعجب؛ لأنه آية سماويّة، وإن سئلنا عن انفجار الماء من الحجر، عارضناه بانفجار الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم؛ لأن خروج الماء من الحجر معتاد، أمّا خروجه من اللحم والدم فأعجب، ولو سئلنا عن تسخير الرياح لسليمان عارضناه بالمعراج! (1)
وفي القرآن الكريم قصص لهذه المعجزات .. ومن تتبّع منهج القرآن
(1) مناقب الشافعي: 38، وأضواء على أحاديث الإسراء والمعراج: 7 وما بعدها.
وجد أنه اعتمد في الإقناع على المحاكمة العقليّة، والمشاهد المحسوسة لعظيم آلاء الله، والمعرفة التامّة بالرسول النبيّ الأمّيّ بما يجعل نزول القرآن عليه دليلاً على صدق دعوته:
ومقالة هؤلاء عن الآيات يعنون بها الخوارق المادّيّة التي صاحبت الرسالات من قبل، والتي لا تقوم حجّة إلَّا على الجيل الذي شاهدها .. بينما تقوم حجّة الرسالة الخاتمة على كل من بلغته الدّعوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. ومن ثم جاءت آياتها متلوّة في الذكر الحكيم الذين لا تنفد عجائبه، والذي تتفتّح كنوزه لجميع الأجيال في جميع الأحوال:
وقد أرادت قريش أن تتحدّى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يأتيهم بالخوارق الكونيّة، وسجّل القرآن الكريم ذلك في سورة الإسراء:
{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ