الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيّة على زوج حبيب، حفيظةً عليه أشدّ ما يكون الحفظ من صدّيقة راسخة اليقين برسالة رسول كريم!
ومرَّت الحياة في ظل وفاء الزوجيّة وصدّيقيّة الإيمان بين محمَّد الزوج الحبيب، ومحمد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبين خديجة الزوجة والوفيّة، وخديجة الصدّيقة المؤمنة، برسالة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم!
دور خديجة رضي الله عنها:
وبدأ الكفاح الصارم، والنضال العتيّ بين الحق والباطل .. الحق الذي تمثله رسالة محمَّد صلى الله عليه وسلم، والباطل الذي يصوّره فجور الشرك والوثنيّة في ملأ الكفر .. ولم يكن لخديجة في هذا الكفاح المرير صوت يُسمع؛ لأنها رضي الله عنها كانت معتصمة بأدب أدّبها الله به، وعلم علّمها الله إيّاه .. فهي زوج محمَّد صلى الله عليه وسلم وأم ولده قبل أن تأتيه رسالة ربّه، فعملها في البيت، وهو عمل كبير عظيم، يسدي للرسالة فضلاً، ويمدّها بقوّة تستجدّ بها ثباتها أمام عتوّ الكفر؛ لأن محمداً الرسول صلى الله عليه وسلم أحوج ما يكون وهو يخوض نضالاً مريراً في سبيل نشر دعوته وتبليغ رسالته إلى عاطفة الوفاء في زوجة صادقة الإيمان برسالته، تنسكب في قلبه برداً وسلاماً؛ إذ يؤوب إلى بيته، فيحدث ويتحدّث في جوّ عاطفي يظلّله الإيمان والحب، وتهوّن عليه الصعاب، وتجدّد عزائمه، ويقوى صبره -ويجتمع أمره، ويخرج إلى حياة الناس مجتمع الإرادة، سويّ الشخصية، مسيح الآلام، فسيح الآمال، رويّ الفؤاد بالصفح والعفو والإحسان!
وبهذا الأدب الإلهي الذي اعتصمت بعواصمه خديجة رضي الله عنها عاشت في كنف محمَّد الزوج صلى الله عليه وسلم، ومحمد الرسول صلى الله عليه وسلم، تتقاسم معه الشعور
بالسعادة في التطلّع إلى آمال المستقبل في آفاق الحياة، وتقاسمه الإحساس بأعباء الحاضر وآلامه، في ظل أثقال نشر الدعوة، وتبليغ الرسالة، معتصمة بالصبر الجميل، تأسّياً به صلى الله عليه وسلم في مجالات الحياة، فيما ترى بين يديها من حاله صلى الله عليه وسلم بعد إذ أنزلت عليه الرسالة بشدائدها، وقوّة دفعها الذي استحوذ على إحساساته ومشاعره، وسائر قواه الفكريّة والروحيّة والبدنيّة!
حتى إذا بلغ طغيان أحلاس الشرك من ملأ الكفر ذروة الفجور العتيّ، إذ تعاقدوا فيما بينهم، وتعاهدوا بعد أن يئسوا من أن ينالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نيلاً، وكتبوا بهذا التعاهد وثيقة في صحيفة ظالمة، ضمنوها مقاطعة بني عبد مناف ممن يقف إلى جانب محمَّد صلى الله عليه وسلم لنصره وحمايته من سوء ما يريد الطغاة الفجّار -وفي المقدمة سائر المؤمنين بدعوته، المصدّقين برسالته من غيرهم، فلا يبيعوهم ولا يناكحوهم، ويمنعون عنهم كل ما يرفقهم في حصارهم، وألا تأخذهم بهم رأفة أبداً، حتى يسلموا محمداً للقتل أو يموتوا صبراً!
ودخلت خديجة رضي الله عنها حصار الشِّعب مع زوجها محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم تشاركه آلام المحنة ومرارتها راضية صابرة محتسبة .. وظلّت معه تواسيه وتخفّف عنه وقع هذا الظلم الفاجر بما تبديه من احتمال ورضا، وهو صلى الله عليه وسلم ساكن القلب إلى وفائها ومودّتها، وحبّها له حبّ جدّ وإجلال، وحرص وحفاظ!
حتى قضى الله تعالى قضاءه في هذه المقاطعة الظالمة، التي مكثت سيفاً مصلتاً على أعناق كل من يئل إلى محمَّد صلى الله عليه وسلم إيماناً به وتصديقاً برسالته، أو حميّةً قوميّةً له، فمزّقت صحيفتها بعد ثلاث سنين من كَتْبها بأيدي مَنْ كتبها، وقيام من عاهد على ما فيها من ظلم وفجور وقطيعة!
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصار ظافراً منصوراً بما صنع الله له من تدبير