المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌شكوى ويطيب لي أن أقدّم هذه الشكوى للمفكر الإِسلامي المرحوم محمَّد - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: ‌ ‌شكوى ويطيب لي أن أقدّم هذه الشكوى للمفكر الإِسلامي المرحوم محمَّد

‌شكوى

ويطيب لي أن أقدّم هذه الشكوى للمفكر الإِسلامي المرحوم محمَّد إقبال (1)

نراه في مطلع هذه الشكوى يصوّر أشجانه وآلامه، ثم يوجّه العتب المرير إلى النفس واستسلامها للمحن، ويقول:

لماذا أبقى بقاء الزهرة الخرساء، ولا أحلّق كالطير المغرّد .. ثم يستأذن .. وفي فمه التراب، ليعلن صرخة المسلمين، ويجأر بدعواتهم، ولم لا؟! وقيثارته مملوءة بالأنين والأشجان، تريد أن تنطلق على شفتيه بأنفاسه المتصاعدة!

ربّاه! إليك شكوى عبيدك الأوفياء الذين لم يتعوّدوا إلا إزجاء الحمد وترتيل الثناء!

لقد كانت الدنيا قبل هذا الدين الإِسلاميّ عالمًا من الظلام، تسوده الوثنيّة، وتحكمه الأصنام .. وفي بقاع هذا المعمور كانت سجدات الإنسان لا تعرف غير الأوثان .. ولم يكن الإنسان يعبد غير هذه التماثيل المنحوتة من الأحجار، والصور المصنوعة من الأشجار، وحارت فلسفة اليونان وتشريع الرومان، وضلّت حكمة الصّين في الفلوات، ولكنَّ ساعد المسلم القويّ اقتلع من الأرض شجرة الاتحاد، وأطلع على الإنسانيّة نورًا من التوحيد وظلًّا من الاتحاد!

ربّاه! لقد كانت بساتن هذا الكون بغير أنغام، وأزهارها خالية من العطر، وكان هواؤها دوي العاصفة، ونسيمها دمدمة الرعود، حتى إذا جاء

(1) فلسفة إقبال والثقافة الإِسلاميّة في الهند وباكستان: 77 وما بعدها بتصرف.

ص: 1770

رسول مكّة الأمّيّ علّم أهل الأرض حياة أهل السماء، ودلّ سكّان عالم الفناء على طريق عالم البقاء!

نحن الذين نشرنا في الأرض العبير، ومحونا آية الليل بآية الصبح المنير، أصبح إيماننا جنون عشق، فوجهنا الإنسانية بنورك في مثل كرة الطرف إلى معرفة الحق والنور والجمال!

لقد كانت الدنيا عامرة بشعوب وممالك، وكان بها السلجوقي والتوراني والصيني، وكان بها ملك ساسان وبقايا الرومان واليونان، فرفعنا علم التوحيد، وجمعنا أبناء البشر وأجياله أسرة مؤمنة بك موحّدة لك، أصلحنا الفاسد، وقوّمنا المعوجّ، وناضلنا في البر والبحر، وارتفع صوتنا بالأذان فوق معابد أوروبا، وارتسمت سجداتنا على رمال الصحراء في إفريقيا، لم نخش عسف الأكاسرة، ولا طغيان الجبابرة، ولا سلطان الأباطرة، وأسمعنا العالم كله كلمة التوحيد، وصليل السيوف المشرعات كان يدوّي مع الهاتفين "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدّوس العزيز الحكيم"، لم نكن نحرص على الحياة، ولكن كنا نجاهد من أجل دينك ليحيا إلى الأبد في تفانينا، وما بعنا الأرواح لدنيا نشتريها، بل كنا نطوف حول الكرة، ورؤوسنا على أكفنا، لنجعل اسمك الأعلى مناراً، ونحن نحطم في تطوافنا الهياكل والأصنام، جاعلين فضتها ونضارها تراباً تحت الأقدام، ولو أن أقدام الأسود تزلزلت من هول الميادين، فلقد كانت أقدامنا على الشوك والنار لا تأذن لشمس النهار أن تغرب حتى يضيء لنا هلال الانتصار، لقد نقشنا توحيدك على كل قلب، والإيمان بك في كل ضمير، نرحّب بالحتوف، ونرى الجنّة تحت ظلال السيوف!

ص: 1771

من الذي جعل درعه يوم الجهاد باب خيبر؟

ومن الذي حمل مصباح الحق إلى مدينة قيصر؟

من قبلنا هدم التماثيل وقوض صرح الأباطيل؟

من الذي رد الكفَّار وأبطل عبادة النار؟

أما أيقظنا الكون الهاجع بصوت الأذان؟

ألم نقم الصلاة تحت الأسنّة في الميدان؟

حتى سجدت لك على الأرض الأوثان وسمع تكبيرنا في الجنة رضوان؟

لقد كانت وجوهنا إلى الكعبة، وعزائمنا إلى الميدان، وقلوبنا إليك، وصلّى بين يديك السوقة والأمير، والغني والفقير، ووقف محمود الغزوني الملك وخادمه إياز وجسماهما في الهند وقلباهما إلى الحجاز، كنا ندور

بكأس الإيمان في محفل الكون والمكان، لم نقف عند الصحارى والقفار، بل امتطينا النجائب من أمول البحار، حتى استضاءت النيّرات بوجوه مجاهدينا في بحر الظلمات، ومحونا الباطل من كتاب الدهر، وحررنا المستعبدين، وملأنا بجباهنا بيتك المعمور، وجعلنا لآياتك مصحفاً في الصدور!

إنّي لأرى في شعوب المدنيّة الزائفة من يجترئون على الخطايا، ويقتحمون حرم الفضائل والآداب، وفيهم سكارى الخمر، وسكارى الإلحاد، ولكن الدّنيا ترسل عليهم السحب أمطاراً، وتمطر أرضنا صواعق وناراً!

ص: 1772

نظرت إلى الأوثان والطواغيت، فإذا هي راقصة في ملاعب الأهواء، إنها ساخرة منا، وما أمرَ سخرية الأعداء!

أقول أَن المؤمنين قد انتثروا، وكاد المخلصون أن يندثروا، ولم تعد الصحراء ترى حدة القوافل ولا المتعبدين في المنازل!

ونحن لا نشكو أن فاضت خزائن الكفار بالنضار، ولكن الشكوى أن يصيبنا الفقر والقصور، حتى لا نجد للجنة صداق الحور، ولا ثمن القصور!

يا ربّ رحماك! هب لنا ما عودنا فضلك من نصر وتأييد، فقد دارت بنا الكواكب في أفلاكها دورة العكس .. إن قدرتك هي قدرتك، وما لفضلك حدّ، ولا لنعماك عد .. لو شئت أجريت النهر في الصحراء، أو رفعت الجبال من الماء!

لم يبق لنا يا ربِّ من ثروة سوى الفقر، ولا من قوّة سوى العجز .. إن ذهاب المسلمين من الدنيا هو ذهاب الدنيا بأسرها، وما نطلب البقاء فيها لحظة إلا للفناء في حبّك يا أرحم الراحمين!

لقد ذهب الأغيار بما كان في أيدينا، وبقيت قلوبنا عامرة بك، وما بقاء الدين إلا ببقاء أهله، والجام بما فيه لا يبقى بغير ساقيه!

ربّاه! .. أين محافل العشّاق؟

أين الذين توضؤوا للصباح بمدامع الأشواق؟

أين الذين اقتبست الشمس من وجوههم الإشراق؟

لقد مضى زجل المسبّحين، وخف أنين المستغفرين، وخلا ضمير الليل

ص: 1773

من دعوات المتبتّلين، وبكاء المصلّين، وهبوك قلوبهم يا ربّ!، وفازوا بأجر العاملين، وأصبحت الأرض بعدهم خالية، والديار خاوية، فكأنهم ما سلموا حين قدموا، أو كأنهم ما أقاموا بعد أن سلموا!

مَن لي بنور محمَّد ليكون مصباحي، حين أنقّب عن حفلهم المذاهب، ونورهم الغارب .. لا لا .. إنّي لن أصغي إلى أنّات قلبي المحزون، فما زال من الدنيا سحر ليلى ولا غرام قيس، وما برحت صحراء نجد مرتعاً للمها والغزال، ومبعثاً للهوى والدّلال، ولن يزول جمالها حتى تزول الجبال!

إن جمال أمة محمَّد لا يزال يجتذب قلوب الكون بإشراقه الساطع فأنقذنا من ظلمة هذا اليأس الميت!

ما زال في قلوبنا وفاء الصّدّيق، وعدل الفاروق، وفي كل قلب للقرآن مصحف عثمان، ولا زالت قلوبنا عامرة بتقوى عليّ، وسلمان، وصوت بلال في الأذان، لم نفقد الإيمان القويم، ولا قياس طرق التسليم!

أيقظنا يا رب! بصلصلة الجرس الأوّل، وأحينا بقانون الوفاء!

لقد أكملت الدين على قمّة فاران، وأنرت قلوب العاشقين بجذوة الإيمان، فأحرق متاع حب دنيانا بذلك الشرر من وميض محبتك!

لقد طرب أعداؤنا بين الجداول، وسكروا بالأنغام في ظل الخمائل، وهم في الأوطان، ونحن خارج البستان، فأرسل فراشك مرة أخرى يطف حول نار حبّك، ومر البرق القديم بإحراق القلوب الجامدة!

ربّ! اهد القلوب إلى قبلة الحجاز، وأعطها جناحاً من الإيمان لتعرف قوة الطيران!

ص: 1774

إن العبير حائر بين البراعم والأزهار، والألغام محتبسة في الأوتار، والطير في شوق إلى تجلّي أنوارك، وإقبال أسرارك!

ربّنا وأنت الحكيم القادر! احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، ألهم النملة الضعيفة حكمة الإيمان، حتى تضع يدها على ملك سليمان، وافتح العيون على ضياء الحق للعالمين، حتى نرى براهمة الهند مسلمين!

إن عطر الأزهار قد فاح بسر البستان، ونمت الصرخات عمّا في الوجدان!

أعد الطيور المغرّدة إلى أغصان الصنوبر، فقد فرّت من روضها إلا بلبلاً يحمل في قلبه ضجّة القيامة، وهول المحشر!

أعد الأوراق الذابلة إلى روضها الأخضر، وجدّد في المسلمين ظمأهم إلى حياض الكوثر!

يا ربِّ! إني بلبل تحررت من موسم نيسان لأرسل أنغامي طليقة بالشكوى، في مسمع الزمان، فاجعل ندائي قبساً من وحي الإيمان، إن خمري حجازيّة، وإن كنت أعجميّ الدّنان، ونغمي من الهند، ولكن صوتي من عدنان!

* * *

وإليك القصيدة:

شكواي أم نجواي في هذا الدّجى

ونجوم ليلي حُسَّدي أم عُوَّدي

ص: 1775

أمسيت في الماضي أعيشُ كأنما

قطعَ الزمانُ طريق أمسي عن غدي

والطير صادحةّ على أفنانها

تُبكي الربى بأنينها المتجدّد

قد طال تسهيدي وطال نشيدها

ومدامعي كالطلِّ في الغصن الندي

فإِلى متى صمتي كأني زهرة

خرساء لم ترزق براعة منشدِ

* * *

قيثارتي مُلئت بأنات الجوى

لابد للمكبوت من فيضانِ

صعدتْ إِلى شفتي بلابل مهجتي

ليبين عنها منطقي ولساني

أنا ما تعديت القناعة والرضا

لكنما هي قصة الأشجانِ

أشكو وفي فمي التراب وإِنما

أشكو مصاب الدين للدَّيَّانِ

ص: 1776

يشكو لك اللهم قلب لم يعش

إِلا لحمدِ علاك في الأكوان

* * *

قد كان هذا الكون قبل وجودنا

روضًا وأزهاراً بغير شميمِ

والورد في الأكمام مجهول الشذى

لا يُرتجي وردٌ بغير نسيمِ

بل كانت الأيام قبل وجودنا

ليلاً لظالها وللمظلومِ

لما أطل (محمدٌ) زكت الربى

واخضر في البستان كل هشيمِ

وأذاعت الفردوس مكنون الشذى

فإِذا الورى في نضرةٍ ونعيمِ

* * *

من قام يهتف باسم ذاتك قبلنا

من كان يدعو الواحد القهارا

عبدوا تماثيل الصخور وقدسوا

من دونك الأحجار والأشجارا

ص: 1777

عبدوا الكواكب والنجوم جهالةً

لم يبلغوا من هديها أنوارا

هل أَعلن التوحيد داعٍ قبلنا

وهدى الشعوب إِليك والأنظارا؟

كنا نقَدِّم للسيوف صدورنا

لم نخش يوماً غاشماً جبارا

* * *

قد كان في اليونان فلسفةٌ وفي الـ

رومان مدرسةٌ وكان المُلكُ في ساسان

لم تغن عنهم قوةٌ أو ثروةٌ

في المالِ أو في العلمِ والعِرفانِ

وبكل أرض (سامريٌ) ماكرٌ

يكفي اليهود مؤونةَ الشيطانِ

والحكمة الأولى جرت وثنية

في الصين أو في الهند أو تورانِ

نحن الذين بنور وحيك أوضحوا

نهج الهدى ومعالم الإِيمانِ

* * *

ص: 1778

من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ

مك فوق هامات النجوم منارا

كنا جبالا في الجبال، وربما

سرنا على موج البحار بحارا

بمعابد الإِفربخ كان أذاننا

قبل الكتائب يفتح الأمصارا

لم تنس إِفريقيا ولا صحراؤها

سجداتنا والأرض تقذف نارا

وكأن ظِل السيف ظِل حديقةٍ

خضراء تُنبت حولنا الأزهارا

* * *

لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو

نصب المنايا حولنا أسوارا

ندعو جهاراً لا إِله سوى الذي

صنع الوجود وقدّر الأقدارا

ورؤوسنا يا رب فوق أكُفِّنا

نرجو ثوابك مغنمًا وجوارا

ص: 1779

كنا نرى الأصنام من ذهب

فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحازها

كنزاً، وصاغ العلي والدينارا

* * *

كم زلزل الصخر الأشم فما وهي

من بأسنا عزم ولا إِيمانُ

لو أن آساد العرين تفزَّعت

لم يلق غير ثباتنا الميدان

وكأن نيران المدافع في صدو

ر المؤمنين الروح والريحانُ

توحيدك الأعلى جعلنا نقشه

نوراً تضيء بصُبحه الأزمانُ

فغدت صدور المؤمنين مصاحفاً

في الكون مسطوراً بها القرآنُ

* * *

ص: 1780

من غيرنا هدم التماثيل التي

كانت تقدسها جهالات الورى؟

حتى هوت صور المعابد سُجّداً

لجلال من خلق الوجودَ وعموّرا

ومن الأُلى حملوا بعزم أكُفهم

باب المدينة يوم غزوة خيبرا؟

أمّن رمى نار المجوس فأطفئت

وأبان وجه الحق أبلج نيِّرا؟

ومن الذي بذل الحياة رخيصة

ورأى رضاك أعز شيْءٍ فاشترى؟

* * *

نحن الذين استيقظت بأذانهم

دنيا الخليقة من تهاويل الكرى

نحن الذين إِذا دُعُوا لصلاتهم

والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا

جعلوا الوجوه إِلى الحجاز وكبّروا

في مسمع الروح الأمين فكبرا

ص: 1781

محمود مثل إِياز (1) قام كلاهما

لك بالخشوع مصلياً مستغفراً

العبد والمولى على قدم التُّقى

سجدا لوجهك خاشعين على الثرى

* * *

بلغت نهاية كل أرض خيلنا

وكأن أبحرها رمال البيد

في محفل الأكوان كان هلالنا

بالنصر أوضح من هلال العيد

في كل موقعة رفعنا راية

للمجد تعلن آية التوحيد

أُمم البرايا لم تكن من قبلنا

إِلا عبيداً في إِسار عبيدِ

بلغت بنا الأجيال حُرياتها

من بعد أصفادٍ وظلِ قُيودِ

* * *

(1) السلطان محمود الغزنوي وإياز خادمه.

ص: 1782

رحماك ربّ! هل بغير جباهنا

عرف السجودُ ببيتك المعمورِ؟

كانت شغاف قلوبنا لك مصحفاً

يحوي جلال كتابك المسطورِ

إِن لم يكن هذا وفاءً صادقاً

فالخلق في الدنيا بغيرِ شعورِ

ملأ الشعوبَ جُناتُها وعُصاتُها

من ملحدٍ عاتٍ ومن مغرورِ

فإِذا السحاب جرى سَقاهم غيثه

واختصنا بصواعق التدمير

* * *

قد هبت الأصنام من بعد البلى

واستيقظت من قبل نفخ الصورِ

والكعبة العليا توارى أهلها

فكأنهم موتى لغير نشورِ

وقوافل الصحراء ضل حُداتها

وغدت منازلها ظلال قبورِ

أنا ما حسدت الكافرين وقد غدوا

في أنعُمٍ ومواكب وقصورِ

ص: 1783

بل محنتي ألاّ أرى في أمتي

عملاً تقدمه صَداق الحورِ

* * *

لك في البرية حكمةٌ ومشيئةٌ

أعيت مذاهبها أولي الألبابِ

إِن شئت أجريت الصحاري أنهراً

أو شئت فالأنهارُ موجُ سرابِ

ماذا دهى الإِسلامَ في أبنائه

حتى انطووا في محنةٍ وعذابِ؟

فثراؤهم فقرٌ ودولة مجدهم

في الأرض نهب ثعالبٍ وذئابِ

عاقَبتنا عدلاً فهب لعدونا

عن ذنبه في الدهر يوم عقابِ

* * *

عاشوا بثروتنا وعشنا دونهم

للموت بين الذل والإِملاقِ

الدين يحيى في سعادة أهله

والكأس لا تَبقى بغير الساقي

ص: 1784

أين الذين بنار حبك أرسلوا

الأنوار بين محافل العشاقِ

سكبوا الليالي في أنين دموعهم

وتوضؤوا بمدامع الأشواقِ

والشمس كانت من ضياء وجوههم

تهدي الصباح طلائع الإِشراقِ

* * *

كيف انطوت أيامهم وهم الأُلى

نشروا الهدى وعلوا مكان الفرقدِ؟

هجروا الديار فأين أزمع ركبهم

من يهتدي للقوم أو من يقتدي؟

يا قلبُ حسبك لن تُلِمَّ بطيفهم

إِلا على مصباح وجه محمدِ

فازوا من الدنيا بمجدٍ خالدٍ

ولهم خلودُ الفوز يوم الموعد

يا ربِّ! ألهمنا الرشاد فما لنا

في الكون غيرك من وليٍّ مرشد

* * *

ص: 1785

ما زال قيسٌ والغرام كعهده

وربوع ليلى في ربيع جمالها

وهضاب نجد في مراعيها المها

وظباؤها الخفراتُ ملء جبالها

والعشق فياضٌ وأمة أحمد

يتحفز التاريخ لاستقبالها

لو حاولت فوق السماء مكانةً

رفّت على شمس الضحى بهلالها

ما بالها تلقى الجدود عواثراً

وتصدها الأيام عن آمالها

* * *

هجْر الحبيب رمى الأحبة بالنوى

وأصابهم بتصرّم الآمالِ

لم يبق في الأرواح غير بقية

رحماك يا مرآة كل جمالِ

لو قد مللنا العشق كان سبيلُنا

أن نستكين إِلى هوى وضلالِ

ص: 1786

أو نصنع الأصنام ثم نبيعها

حاشا الموحد أن يَذِلَّ لمالِ

أيام سلمان بنا موصولة

وتُقى أويس في أذان بلالِ

* * *

يا طيب عهد كنت فيه منارنا

فبعثت نور الحق من فاران

وأسرت فيه العاشقين بلمحة

وسقيتهم راحاً بغير دنانِ

أحرقت فيه قلوبهم بتوقد الـ

إِيمان لا بتلهُّب النيرانِ

لم نبق نحن ولا القلوب، كأنها

لم تحظ من نار الهوى بدخانِ

إِن لم يُنر وجه الحبيب بوصله

فمكان حُزن القلب كل مكانِ

* * *

يا فرحة الأيام حين نرى بها

روض التجلي وارف الأغصانِ

ص: 1787

ويعود محفلنا بحسنك مسفراً

كالصبح في إِشراقه الفينانِ

قد هاج حزني أن أرى أعداءنا

بين الطلا والظل والألحانِ

ونعالج الأنفاس نحن ونصطلي

في الفقر حين القوم في بستانِ

أشرِقْ بنورك وابعت البرق القديـ

م بومضةٍ لفراشك الظمآنِ

* * *

أشواقنا نحو الحجاز تطلعت

كحنين مغترب إِلى الأوطانِ

إِن الطيور وإِن قصصت جناحها

تسمو بفطرتها إِلى الطيرانِ

قيثارتي مكبوتةّ ونشيدها

قد مل من صمتٍ ومن كتمانِ

واللحن في الأوتار يرجو عازفا

ليبوح من أسراره بمعانِ

ص: 1788

والطّورُ يرتقب التجلي صارخاً

بهوى المشُوق ولهفة الحيرانِ

* * *

أكبادنا احترقت بأنَّات الجوى

ودماؤنا نهر الدموع القاني

والعطر فاض من الخمائل والربى

وكأنه شكوى بغير لسانِ

أوليس من هول القيامة أن يكو

ن الزهر نَمَّاماً على البستانِ؟

النمل لا يخشى سليماناً إِذا

حرست قراه عناية الرحمنِ

أرشد براهمة الهنود ليرفعوا

الإِسلام فوق هياكل الأوثانِ

* * *

ما بال أغصان الصنوبر قد نأت

عنها قماريها بكل مكانِ

وتعرت الأشجار من حلل الربى

وطيورها فرَّت إِلى الوديانِ

ص: 1789

يا ربِّ! إِلا بلبلاً لم ينتظر

وحي الربيع ولا صَبا نيسانِ

ألحانه بحرٌ جرى متلاطماً

فكأنه الحاكي عن الطوفانِ

يا ليت قومي يسمعون شِكايةً

هي في ضميري صرخة الوجدانِ

* * *

أن الجواهر حيَّرت مرآة هـ

ذا القلب فهو على شفا البركانِ

أسمِعهمو يا ربِّ! ما ألهمتني

وأعدْ إِليهم يقظة الإِيمانِ

وأذقهم الخمر القديمة إِنها

عين اليقين وكوثر الرضوانِ

أنا أعجمي الدَّنّ لكن خمرتي

صُنع الحجاز وكرمها الفينانِ

إِن كان لي نغمُ الهنود ولحنهم

لكن هذا الصوت من عدنانِ

* * *

ص: 1790