الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك شأن الذين كفروا مع القرآن كله، يذكره السياق بعد بيان موقفهم مما يلقي الشيطان في أمنيات الأنبياء والرسل، لما بين الشأنين من تشابه واتصال، فهم لا يزالون في ريبة من القرآن وشك .. منشأ هذه الرّيبة أن قلوبهم لم تخالطها بشاشة الإيمان، فتدرك ما فيه من حقيقة وصدق، ويظل هذا حالهم {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)} ! بعد قيام الساعة .. ووصف هذا اليوم بالعقيم وصف يلقي ظلاً خاصاً، فهو يوم لا يعقب .. إنه اليوم الأخير!
في هذا اليوم الملك لله وحده، فلا ملك لأحد، حخى الملك الظاهري الذي كان يظنّه الناس في الأرض ملكاً .. والحكم يومئذ لله وحده، وهو يقضي لكل فريق بجزائه المقسوم:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)} ! جزاء الكيد لدين الله، وجزاء التكذيب بآياته البيّنات، وجزاء الاستكبار عن الطاعة لله والتسليم!
اعتباران:
والسجود -كما عرفنا- يرجع إلى اعتبارين: (1)
الاعتبار الأول:
أن الذي كان يقرأ السورة هو محمد صلى الله عليه وسلم النبيّ، الذي تلقى هذا القرآن مباشرةً من مصدره، وعاشه وعاش به!
وفي سورة (النجم) خاصةً كان يعيش لحظات، عاشها في الملأ الأعلى،
(1) السابق: 6: 3421 بتصرف.
وعاشها مع الروح الأمين .. مكشوفة عنه الحجب (1)، مزاحة عنه الأستار .. يتلقَّى من الملأ الأعلى .. يسمع ويرى .. ويحفظ ما وعى .. وهي لحظات خصّ بها ذلك القلب المصفّى، ولكن الله يمنّ على عباده، فيصف لهم هذه اللحظات وصفاً موحياً مؤثراً، ينقل أصداءها وظلالها وإيحاءها إلى قلوبهم .. حتى لكأنهم كانوا شاهديها!
وتطالعنا نفحات مباركات طيبات .. تمسّ القلوب، ويرتجف لها الكيان تحت وقع اللمسات المتتابعة .. والغيب المحجوب لا يراه إلا الله، والعمل المكتوب لا يندّ ولا يغيب عن الحساب والجزاء .. والمنتهى إلى الله في نهاية كل طريق يسلكه العبيد، والحشود الضاحكة، والحشود الباكية .. وحشود الموتى، وحشود الأحياء .. والنطفة تهتدي في الظلمات إلى طريقها، وتخطو خطواتها وتبرز أسرارها فإذا هي ذكر وأنثى .. والنشأة الأخرى ومصارع الغابرين {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)} !
وتجيء الصيحة الأخيرة التي تهزّ الكيان هزًّا: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} !
وفي هذه الصيحة الأخيرة يهتزّ الكيان كله .. وذلك سرّ من أسرار القرآن الكريم!
(1) السابق: 3406 بتصرف.