المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إنما كان عن إسرائه بجسده وحال يقظته؛ ولأن الدواب لا - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: إنما كان عن إسرائه بجسده وحال يقظته؛ ولأن الدواب لا

إنما كان عن إسرائه بجسده وحال يقظته؛ ولأن الدواب لا تحمل الأرواح، وإنما تحمل الأجسام!

وقد تواترت الأخبار بأنه أسري به على البراق، وهو دابّة، فوجب كونه بالجسد والروح معاً! (1)

وقال ابن القيم: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح، من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكباً البراق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلّى بالأنبياء إماماً (2)، وربط البراق بحلْقة باب المسجد.

وقد قيل: إنه نزل ببيت لحم، وصلّى فيه، ولم يصحّ ذلك عنه البتة!

ثم عُرِجَ به تلك الليلة من بيت المقدس

إلخ! (3)

‌القول الثاني:

وذهب جماعة إلى أن الإسراء كان بروحه في المنام! (4)

قال ابن إسحاق (5): حدثني بعض آل أبي بكر: أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت تقول: ما فُقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أسرى بروحه!

قلت: هذا غير ثابت، وإن صرح ابن إسحاق بالسماع، فسنده

(1) زاد المعاد: 3: 34.

(2)

انظر: السيرة النبوية: ابن كثير: 2: 153، 154.

(3)

انظر: زاد المعاد 3: 34 وما بعدها.

(4)

انظر: الآية الكبرى: 106.

(5)

الروض الأنف: 2: 143.

ص: 1527

منقطع (1)، وقد رواه الطبري (2)، قال عياض (3): وأمّا قول عائشة ما فقد جسده، فعائشة لم تحدّث عن مشاهدة؛ لأنها لم تكن حينئذ زوجة، ولا في سنّ من يضبط، ولعلها لم تكن ولدت بعد .. ويقول: وأيضاً فليس حديث عائشة بالثابت، والأحاديث الأخرى أثبت. (4)

قال الكوثري (5): وأمّا ما يروى عن عائشة من قولها: ما فُقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه أسري بروحه، فغير ثابت عنها البتة؛ لأنه من رواية ابن إسحاق بلفظ: حدّثني بعض آل بكر، فمن هو هذا؟ وأين ابن إسحاق المتوفى في منتصف القرن الثاني الهجري من إدراك زمن عائشة (6)!

وفي هذا دحض لمن يرى أن الإسراء كان في المنام!

وفي شرح المواهب أن الشاميّ نقل في قول عائشة: (ما فُقد) بالبناء للمفعول، وما (فقدتُ) بالبناء للفاعل، وإسناد الفعل لتاء المتكَلم، وقد حكاهما في الشفاء روايتين، فقال أولاً: وأما قول عائشة (ما فُقد جسده) فهي لم تحدّث عن مشاهدة

إلخ .. ثم قال: وأيضاً فقد روي (ما فَقدتُ) قال: ولم يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالمدينة!

(1) ابن هشام: 2: 46.

(2)

التفسير: 15: 16.

(3)

الشفا: 1: 255.

(4)

السابق: 256.

(5)

انظر: السيرة للذهبي: 166.

(6)

انظر: الشفا: 1: 245 وما بعدها، والسيرة للذهبي: 166 هامش.

ص: 1528

وكل هذا يوهنه، بل الذي يدلّ عليه صحيح قولها إنه بجسده الشريف، لإنكارها رؤيته لربّه رؤية عين، ولو كانت عندها مناماً لم تنكره، وحديثها هذا ليس بالثابت عنها .. يعني لما في متنه من العلّة القادحة، وفي سنده من انقطاع، وراو مجهول!

وقال ابن دحية في التنوير (1): إنه حديث موضوع عليها، وقال في معراجه الصغير، قال إمام الشافعيّة أبو العباس بن سريج: هذا حديث لا يصح، وإنما وضع ردًا للحديث الصحيح!

وأجيب على تقدير صحته بأن عائشة لم تحدّث به عن مشاهدة؛ لأنها لم تكن إذ ذاك زوجاً، ولا في سنّ من يضبط ..

قال عياض: وإذا لم تشاهد ذلك عائشة دلّ على أنها حدّثت بذلك عن غيرها، فلم يرجح خبرها على خبر غيرها!

وكان الظاهر أن يقول: فرجح خبر غيرها، على خبرها: أي لعدم تبوثه عنها، كما أفصح به!

وقال التفتازاني في الجواب على تقدير الصحة: أي ما فُقد جسده عن الروح، بل كان مع روحه، وكان المعراج للجسد والرّوح جميعاً!

وهو جواب حسن، على ما فيه من كونه خلاف المتبادر من اللفظ!

قال السيوطي: فلم يرجح خبرها، مع قول أم هانئ بخلافه (2)!

(1) الزرقاني على المواهب اللدنية: 6: 4 وما بعدها بتصرف.

(2)

الآية الكبرى: 108.

ص: 1529

وقال ابن إسحاق (1): حدّثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس: أن معاوية بن أبي سفيان قال: كانت رؤيا من الله تعالى صادقة!

قلت: يعقوب بن عتبة هذا مات سنة 128 هـ بينما معاوية رضي الله عنه توفي سنة 60 هـ، فالحجة منقطعة؛ لأنه لم يدرك معاوية (2).

وقال ابن القيّم بعد أن ذكر قول ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية، والحسن (3): ولكن ينبغي أن يُعلم الفرق بين أن يقال: كان الإسراء مناماً، وبين أن يقال: كان بروحه دون جسده، وبينهما فرق عظيم، وعائشة ومعاوية لم يقولا: كان مناماً، وإنما قالا أسري بروحه ولم يفقد جسده، وفرق بين الأمرين، فإن ما يراه النائم قد يكون أمثالاً مضروبة للمعلوم في الصور المحسوسة، فيرى كأنه قد عُرج به إلى السماء، أو ذُهب به إلى مكّة وأقطار الأرض، وروحه لم تصعد ولم تذهب، وإنما تلك الرؤيا ضرب له المثال، والذين قالوا: عُرج برسول الله صلى الله عليه وسلم طائفتان:

طائفة قالت: عُرج بروحه وبدنه!

وطائفة قالت: عُرِج بروحه ولم يفقد بدنه!

وهؤلاء لم يريدوا أن المعراج كان مناماً، وإنما أرادوا أن الروح ذاتها أُسري بها، وعُرج بها حقيقة، وباشرت من جنس ما تباشر به بعد المفارقة، وكان حالها في ذلك كحالها بعد المفارقة في صعودها إلى السماوات سماءً

(1) ابن هشام: 2: 46.

(2)

الإصابة: 6: 114.

(3)

زاد المعاد: 3: 40 - 41.

ص: 1530

سماءً، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فتقف بين يدي الله عز وجل، فيأمر فيها بما يشاء، ثم تنزل إلى الأرض، والذي كان لرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أكمل مما يحصل للروح عند المفارقة!

ومعلوم أن هذا أمر فوق ما يراه النائم، لكن لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام خَرْق العوائد، حتى شُقَّ بطنه، وهو حيٌّ لا يتألم بذلك، عُرِج بذات روحه المقدّسة حقيقة من غير إماتة، ومن سواه لا ينال بذات روحه الصعود إلى السماء إلا بعد الموت والمفارقة، فالأنبياء إنما استقرّت أرواحهم هناك بعد مفارقة الأبدان، ورُوح رسول الله صلى الله عليه وسلم صعدت إلى هناك في حال الحياة ثم عادت، وبعد وفاته استقرّت في الرّفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام!

ومع هذا، فلها إشراف على البدن، وإشراق وتعلّق به، بحيث يردّ السلام على مَن سلّم عليه (1)!

وبهذا التعلّق رأى موسى قائماً يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة، ومعلوم أنه لم يُعرج بموسى من قبره، ثم رُدّ إليه، وإنما ذلك مقام روحه واستقرارها. وقبره مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح إلى أجسادها، فرآه يُصَلِّي في قبره، ورآه في السماء السادسة!

(1) الحديث رواه أحمد وغيره بسند حسن عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من أحد يسلِّم عليَّ، إلَّا ردّ الله عز وجل إليَّ روحي حتى أردّ عليه السلام" أحمد: 2: 527، وفيه أبو صخر -حميد بن زياد الخراط- حسن الحديث، روى له مسلم، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين، وأبو داود (2041)، والبيهقي: 5: 245، والطبراني: الأوسط (3116).

ص: 1531