المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أشهر أقول المفسرين: - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: ‌أشهر أقول المفسرين:

الآخرة لهم عذاب السعير، المحيط بهم من جميع الجهات، جزاء فسادهم وإفسادهم .. تحصرهم فلا يفلت منهم أحد، وتتّسع لهم فلا يندّ عنها أحد!

‌أشهر أقول المفسِّرين:

هذا، مع أنه لم يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث في بيان المراد بالعباد الذين سلّطهم الحق تبارك وتعالى علي بني إسرائيل في مرتيّ هذا الإفساد!

ومع أن إفساد بني إسرائيل قد حدث كثيراً، بحيث لا يُحصى ولا يُعدّ -كما أسلفنا- وأن المقصود من الآيات التي معنا إنما هو إظهار مرّتين حدث فيهما الإفساد منهم .. وأن نفس الآيات تدل على أن التسليط عليهم مستمرّ إلى يوم القيامة، بسبب كفرهم وفسوقهم:{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} !

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} !

ومع أن أقوال المؤرخين والمفسّرين قد اختلفت في المقصود من مرّتي إفسادهم، وفيمن سلّطه الله عليهم، على حسب ما يتراءى لكل قائل فيما حدث من بني إسرائيل من فساد، وما تبعه من عقوبات!

ومع أن المقصود من سياق الآيات إنما هو بيان سنّة من سنن الله في الأمم، حال صلاحها وفسادها .. وأن القرآن -كما سبق- قد ساق هذا المعنى بأحكم عبارة!

يقول ابن كثير بعد أن ذكر هذه الأقوال وعلّق عليها: (1)

وفيما قصَّ الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقيّة الكتب قبله، ولم

(1) تفسير ابن كثير: 3: 25.

ص: 1704

يحوجنا الله ولا رسوله إليهم، وقد أخبر الله عنهم أنهم لما طغوا وبغوا سلّط الله عليهم عدوّهم، فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم، وأذلّهم وقهرهم، جزاء وفاقاً، وما ربك بظلاّم للعبيد، فإنهم كانوا قد تمرّدوا وقتلوا خلقاً من الأنبياء والعلماء!

ويروي ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:

{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)} !

قال: بعث الله عليهم في المرّة الأولى جالوت، فجاس خلال ديارهم، وضرب عليهم الخراج والذّلّ، فسألوا الله تعالى أن يبعث لهم ملكاً يقاتلون في سبيل الله، فبعث الله (طالوت) فنصر الله بني إسرائيل، وقتل جالوت بيد داود، ورجع إلى بني إسرائيل ملكهم، فلمّا أفسدوا بعث الله عليهم في المرة الآخرة (بخت نصر) فخرب المساجد وتبّر ما علوا تتبيراً، قال الله تعالى بعد الأولى والآخرة:{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}

قال: فعادوا فسلّط الله عليهم المؤمنين (1)!

وفي رواية لهما -أيضاً- عن قتادة قال:

أما المرّة الأولى فسلّط عليهم (جالوت)، حتى بعث (طالوت) ومعه (داود)، ثم ردّ الكرّة لبني إسرائيل:{وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)}

(1) بنو إسرائيل في القرآن والسنة: 2: 362 وما بعدها، نقلاً عن: الدر المنثور: 4: 163، انظر: تفسير الطبري: 15: 28.

ص: 1705

أي عدداً، وذلك في زمان (داود):{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} !

آخر العقوبتين: {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} !

وقال: ليقبحوا وجوهكم: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} !

قال: كما دخل عدوهم قبل ذلك: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)} !

قال: يدمّرون ما علوا تدميراً، فبعث الله عليهم في الآخرة (يخت نصر) البابلي المجوسي، أبغض خلق الله إليه، فسبى وقتل وضرب بيت المقدس وسامهم سوء العذاب. (1)

وهذا الرأي الذي نختاره -كما يقول الدكتور طنطاوي (2) - نستند في اختيارنا له إلى أمور أهمها ما يلي:

أولاً: ذكر القرآن الكريم عند عرضه لقصّة القتال الذي دار بين (طالوت) قائد بني إسرائيل وبين (جالوت) قائد أعدائهم ما يدلّ على أن بني إسرائيل كانوا قبل ذلك مقهورين مهزومين من أعدائهم، ويتجلّى هذا المعنى في قوله تعالى:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} !

فقولهم كما حكى القرآن عنهم: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} !

يدلّ دلالة قويّة على أنهم قبل قتالهم لـ (جالوت) كانوا قد هزموا على أيدي أعدائهم هزائم منكرة، اضطروا معها إلى الخروج من ديارهم ومفارقة أبنائهم!

(1) السابق.

(2)

بنو إسرائيل في القرآن والسنة: 2: 366 وما بعدها، بتصرف.

ص: 1706

ثانياً: صرّح بعض المفسّرين بأن الأعداء الذين أخرجوا بني إسرائيل من ديارهم وأبنائهم هم قوم (جالوت)، وأنهم كانوا قد غلبوا بني إسرائيل، وقتلوا عدداً كبيراً منهم، وذلك قبل أن تعود الكرّة لبني إسرائيل عليهم بقيادة (طالوت)!

قال الآلوسي: وكان سبب طلب بني إسرائيل من نبيّهم أن يبعث الله لهم ملكاً ليقاتلوا في سبيل الله، أن أعداءهم وهم العمالقة قوم (جالوت) ظهروا عليهم، وتغلّبوا على كثير من بلادهم، وضربوا عليهم الجزية! (1)

ثالثاً: قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} ! صريح في أن الله تعالى نصر بني إسرائيل بعد أن تابوا وأنابوا على أعدائهم الذين قهروهم وأذلّوهم وجاسوا خلال ديارهم!

وهذا المعنى ينطبق على ما قصّه القرآن الكريم علينا من أن بني إسرائيل بقيادة (طالوت) قد انتصروا على (جالوت) وجنوده، ومن أن داود قتل (جالوت)، قال تعالى:

{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} !

ولقد كان هذا النصر نعمة كبرى لبني إسرائيل؛ لأنه أتاهم بعد ما أخرجوا من ديارهم وأبنائهم، وبعد أن اعترضوا على اختيار (طالوت) ملكاً عليهم، وبعد أن قاتل مع (طالوت) عدد قليل منهم .. ولا شك أن هذا النصر في هذه الحالة أدعى لطاعة الله تعالى وشكره على آلائه!

(1) السابق: نقلاً عن تفسير الآلوسي: 2: 141 بتصرف.

ص: 1707

رابعاً: قوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)} !

أكثر ما يكون انطباقاً على عهد حكم (داود) و (سليمان) عليهما السلام لبني إسرائيل، ففي هذا العهد الذي دام زهاء ثمانين سنة، ازدهرت مملكتهم، وعزّ سلطانهم، وأمدّهم الله خلاله بالأموال الوفيرة، وبالبنين الكثيرة، وجعلهم أكثر من أعدائهم قوة وعدداً!

أمّا بعد هذا العصر الذهبي -كما أسلفنا- فقد انقسمت مملكتهم إلى قسمين:

مملكة يهوذا!

ومملكة إسرائيل!

واستمرّتا في صراع ونزاع وتدهور، حتى قضى الآشوريون على مملكة إسرائيل سنة 721 ق. م، وقضى (بخت نصر) على مملكة (يهوذا) سنة 588 ق. م!

وتاريخهم بعد ذلك ما هو إلا سلسلة من المآسي والنكبات والعقوبات التي حلّت بهم من الشعوب المختلفة في شتّى مراحل التاريخ، بسبب فسادهم وإفسادهم في الأرض!

وأمّا المراد بالعباد الذين سلّطهم الله على بني إسرائيل بعد إفسادهم الثاني في الأرض، فيرى جمهور المفسّرين أنهم البابليّون بقيادة (بخت نصر) .. الذي غزاهم ثلاث مرات:

الأولى: سنة 606 ق. م

والثانية: سنة 599 ق. م

والثالثة: سنة 588 ق. م

ص: 1708

وفي هذه المرّة الثالثة قتل الآلاف منهم، وهدم هيكلهم، وساق الأحياء أسارى إلى بابل!

وهذا الرأي الذي قاله جمهور المفسّرين ليس ببعيد، لما ذكرنا من تنكيله بهم .. إلا أننا نؤثر على هذا الرأي أن يكون المسلّط عليهم بعد إفسادهم الثاني، هم الرومان بقيادة (تيطس) لأمور، أهمها:

أولاً: الذي يتتبَّع التاريخ يرى أن رذائل بني إسرائيل في الفترة التي سبقت تنكيل الرومان بهم أشدّ وأكبر من رذائلهم التي سبقت (بخت نصر) لهم، وبالتالي كان تسليط الرومان عليهم أنكى وأقسى، فهم -على سبيل المثال- قبيل بطش الرومان بهم بقيادة (تيطس) كانوا قد قتلوا من أنبياء الله (زكريا) و (يحيى) عليهما السلام-كما أسلفنا- وحاولوا قتل (عيسى) عليه السلام واتخذوا لذلك كل السبل، ولكنهم لم يفلحوا لأسباب خارجة عن إرادتهم، وكانت الرذائل والمنكرات قد فشت فيهم، مما أدّى إلى لعنهم بسبب ذلك!

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} (المائدة)!

فكانت ضربات الرومان القاصمة لهم، والهادمة لكيانهم، عقاباً مناسباً من الحق تبارك وتعالى، نتيجة عصيانهم لأوامره، واعتدائهم على خلقه، وعدم تناهيهم عن منكر فعلوه!

ثانياً: المفسرون يذكرون أن تسليط الله عليهم (بخت نصر) في المرّة الثانية من مرّتي إفسادهم، كان من أسبابه قتلهم لـ (يحيى) عليه السلام، و (بخت

ص: 1709

نصر) كان سابقاً على (يحيى) عليه السلام في الزمن بأكثر من خمسة قرون، والذين كانت أورشليم تحت سيطرتهم في عهد (يحيى) عليه السلام هم الرومان وقد قتل بنو إسرائيل (زكريّا) و (يحيى) عليهما السلام في عهدهم كذلك!

وإذن فما ذكره المفسّرون من أن الله تعالى سلّط عليهم (بخت نصر) بعد إفسادهم بسبب قتلهم (يحيى) عليه السلام ينطبق على عهد الرومان؛ لأنه كان معاصراً لهم .. ولا ينطبق على عهد (بخت نصر)؛ لأنه قبل (يحيى) عليه السلام بأكثر من خمسة قرون كما ذكرنا!

ثالثاً: ضربات الرومان في ذاتها كانت أشدّ وأقسى على بني إسرائيل من ضربات (بخت نصر) لهم، فمثلاً عدد القتلى من اليهود على يد الرومان بقيادة (تيطس) بلغ مليون قتيل، وبلغ عدد الأسرى نحو مائة ألف أسير -كما يقول المؤرخون (1) - بينما عدد القتلى والأسرى على يد (بخت نصر) كان أقل من هذا العدد بكثير، ولقد وصف المؤرّخون النكبة التي أوقعها (تيطس) باليهود بأوصاف تفوق بكثير ما وصفوا به ما أوقعه بخت نصر بهم!

يقول أحد الكتّاب واصفاً ما حلّ على يد تيطس:

كان (تيطس) في الثلاثين من عمره، حينما وقف سنة 70 م أمام أسوار أورشليم على رأس جيشه، وبدأت المدينة تعاني أهوال الحصار، وتقاسي في الوقت نفسه هولًا أكبر، هو هول الحرب الأهليّة، فقد احتلّ المتعصّبون والمتطرّفون ورجال العصابات من اليهود أحياء المدينة، وأخذوا يشنّون هجمات وحشيّة على أحيائها الأخرى، حتى جرت الدماء في الطرقات، وسرت المجاعة

(1) تاريخ الإسرائيليين: 76.

ص: 1710