الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفصيليَّة بعد ما منّ الله به في إبطال (أقصوصة الغرانيق)؛ لأن دويّ سمعة الشيخ وهالات الإجلال من حوله جعل كثيراً من الناس لا يتفقّهون فيما قيل، ولكنهم يكتفون بمن قال، فأردنا أن ننبّه على ما في إثبات (أكذوبة الغرانيق) من خطورة على العقيدة التوحيديّة التي كان الشيخ الإِمام أحرص عليها، وعلى دعائمها بني مريدوه، والآخذون بآرائه، مجده التاريخيّ بين أعلام أئمة علماء الأمة!
ويقول: وقد ناقشنا رأي الشيخ الإِمام في (أقصوصة الغرانيق) مناقشة بحث علمي، وهي أشدّ هدماً للعقيدة التوحيديّة، من كثير من القضايا والمسائل التي قرن بها اسمه في اجتهاديّاته، ولقي في سبيلها كثيراً من البلاء والمحن- لئلا يقع في خطئها من يتمسّك بالتقليد والاغترار بهالات الأسماء!
ويقول: والبحث العلميّ لا يقف هيّاباً لهالات الأسماء، وإنما يقف مع الحجّة والبرهان، وقد حُذِّرْنا من زلة العالم، وعثرة الأكابر، والله يهدي من يشاء وإليه المصير!
قلت: معلوم أن كل إنسان مهما علا قدره يؤخذ منه ويرد، مع تقديرنا لجهود ومكانة شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى!
رأي أهوج للكوراني:
هذا، وللشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني
…
رأي متزيّدٌ جريء أهوج، حاول فيه تصحيح (أسطورة الغرانيق الكاذبة الباطلة) حتى كأنه هو واضعها، لم يكتف فيه بالبحث في أسانيد روايات القصّة، كما صنع غيره من مثبتيها، ولم يبال بما تؤدي إليه من معان خطيرة في
سيرة سيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ولكنه تزيّد باجتهاده متعالماً، واختلق للقصّة سبباً وحكمةً، لم يسبقه إليهما أحدٌ من ملّة الإِسلام، زعم أنها وقعت لهذا السبب، بتلك الحكمة، وخف على نفسه ودينه أن يقيم منهما حكماً على النبي صلى الله عليه وسلم، ليكشف أنه كان مفتقراً إلى (التأديب) لأنه افتأت على إرادة الله وقدره، فأراد إيمان الناس جميعاً، والله لم يرد ذلك ولا قدّره، فكان صلى الله عليه وسلم محلاً للتأديب والتصفية من آثار هذه الإرادة حتى تفنى إرادته في إرادة الله تعالى، فلا يريد إلا ما يريد الله، ويقدّره، فسلّط عليه الشيطان ليغويه، ويلقي على لسانه في أثناء تلاوته لآيات الله المنزلة من عند الله كلمات كافرة تمدح الأوثان، وتجعل منهم شفعاء لعابديهم، تُرضي شفاعتهم وتُرتجى، وإذا كان شيء غير أكفر الكفر وصفاً يمكن أن يوصف به هذا الهوج الأحمق فليكن هذا الوصف مستعاراً لنعت موقف الكوراني إبراهيم بن حسن (خاتمة المتزندقين في عصره)!
فإذا قيل للشيخ إبراهيم الكوراني: إن الله تعالى عصم أنبياءه عن تسلّط الشيطان عليهم، وأخبر عن هذه العصمة في قوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)} (الحجر)!
وفي قوله تعالى حاكياً على لسان إبليس استثناءهم من إغوائه: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} (ص)!
قال: في تأويل آيات الله في (فلسفة متزندقة) لم يجرؤ أحد من مثبتي (أبطولة الغرانيق) على القول بمثله: إن السلطان المنفي هو الإغواء، أعني التلبيس المخلّ بأمر الدّين، وهو الذي وقع الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم منه، وأما الإغواء غير المخلّ بأمر الدّين فلا دليل على نفيه ولا إجماع على العصمة منه، إذن هناك إغواء للشيطان في زعم هذا الكوراني، إغواء يخلّ بأمر
الدّين، وإغواء لا يخلّ بأمر الدّين!
قلنا: أليس هذا تحريفاً في تفسير آيات الله تعالى المنزِّهة لعباده المخلصين عن تسلّط الشيطان عليهم بإغوائه وإضلاله وتلبيسه؟! والآيات مطلقة في نفي سلطان الشيطان وإغوائه، والإطلاق هو اللائق بعصمة الأنبياء!
فمن أين للشيخ الكوراني هذا التقسيم المخترق، الذي جعل من إغواء الشيطان إغواءً مخلاً بأمر الدّين، هو فقط مخلّ العصمة عنده، وأما الإغواء الذي لا يخلّ بأمر الدّين، فليس هو مخلاً لعصمة تمنع من وقوعه وتسلّط الشيطان على الأنبياء به؟!
ثم كيف يكون إغواء الشيطان غير مخلّ بالدّين، وعداوة الشيطان كلها للإنسان مرجعها إلى إفساد الدّين بتزيين الكفر والفسوق والعصيان؟!
وإذْ فرض الشيخ الكوراني هذا التقسيم المبتدع واقعاً، فليكن شرعاً وديناً تسري أحكامه على الناس الأنبياء فمن دونهم، وليكن الإغواء الذي لا يخلّ بأمر الدّين -وإن كان لا وجود له في واقع الحياة- هو الذي لا تتعلّق به العصمة، وبه يتسلّط الشيطان عليهم فيغويهم ويضلّهم ويلبّس عليهم، ويريهم أن الشيطان ملك، وأن الملَك شيطان، وأن الأوثان آلهة تشفع لعابديها، وشفاعتها مرجوّة مرتضاة!
وبهذا الإغواء -الذي لا يخلّ بأمر الدّين- وقعت (أخلوقة الغرانيق لتأديب النبي صلى الله عليه وسلم على افتئاته على الله تعالى) وفرض إرادته في إيمان الناس جميعاً، مراغمة لإرادة الله تعالى الذي لم يرد إيمان جميع الناس ولا قدره!
هكذا منطق (فلسفة الشيخ إبراهيم الكوراني المتزندقة) الذي أراد به