الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة بني إسرائيل:
وبحق ما سمّيت سورة الإسراء سورة بني إسرائيل؛ فإنها أحق بهذه التسمية وأجدر؛ لأنها لم تتحدّث عن الإسراء إلا بمقدار ما بشرف بصيرورة الكعبة والهيكل للمسلمين حرماً ومسجداً، ثم اتصل الحديث ببني إسرائيل وخطبهم مع المسلمين بعد ذلك فقال:
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}
!
فإذا لاحظنا أن الله عز وجل لم يخبر عن بني إسرائيل في سورة مكيّة إلا بمقدار ما تساق العبرة من مواقفهم من موسى وصاياه، وموقفهم من فرعون وجنوده، وأخبر عنهم في السور المدنية كثيراً، فسجّل لهم ضروباً من الفساد والإفساد، فأخبر عن نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم قلوبنا غلف، وأخبر عن ظلمهم وصدهم عن سبيل الله كثيراً، وأخذهم الربا وقد نُهُوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأخبر عن اعتدائهم في السبت، وحذرهم الموت، وسكوتهم عن المنكر، واشتراءهم بآيات الله ثمناً قليلاً، وأخبر عن إخراجهم فريقاً من ديارهم، وقولهم ليس علينا في الأميّين سبيل
…
إلخ!
{لَتُفْسِدُنَّ في الأَرضِ مَرَّتَينِ} :
فإذا لاحظنا هُنا أن الله ينصّ على أنه قضى أنهم يفسدون في الأرض مرّتين، فإذا جاء وعد أولاهما كان كذا، وإذا جاء وعد الآخرة كان كذا
…
دلّ على أن المرّتين غير ما سبق أن سجّل لهما، وأنهما يقعان في المستقبل، بالنسبة
لمن أنزل عليه الكتاب صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث من أوّله تبشير وإيحاء لمستقبل، فذلك من الأنباء بالغيب، والإخبار بما لم يقع، وإلا فهم قد أفسدوا من قبل .. فالمرّتان المعنيتان في الآية وقعتا بعد، وقد أكّد ذلك إعجاز القرآن وصدق ما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم!
أولاهما: قال تعالى:
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} !
…
إلخ
لا تنطبق هذه المرّة تمام الانطباق إلا على الدّور الذي قاموا به على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما عاقبهم الله به، وسلط عليهم فيه!
فهم أفسدوا في الأرض، ونقضوا عهد الله ورسوله، وكان صلى الله عليه وسلم قد عاهدهم أوّل ما وصل المدينة! (1)
رغم هذه الرعاية والمصافاة والمواساة، انطلقوا بالبغي والمكر والفساد في الأرض، يشككون في شخص النبي صلى الله عليه وسلم ونزاهته ورسالته، ويفتون المشركين أنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلاً!
ويفتحون دورهم وصدورهم لأعداء النبي صلى الله عليه وسلم، ويدلونهم على عورات المؤمنين، وبلغ من أمرهم أن همّوا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم غير مرة -كما عرفنا- وهيَّجوا قريشاً وغطفان، حتى حاصروا المدينة، للقضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته وأتباعه، وانضموا لهم، ونقضوا عهد الله ورسوله في ساعة الشدة ويوم الأحزاب، فسلط عليهم عباده المؤمنين، فأجلوا بني قنقاع، وبني النضير،
(1) ذكر هنا نصوصاً من وثيقة موادعة اليهود، وقد رواها ابن إسحاق: 2: 17 - 18 بدون إسناد: انظر كتابنا: الهجرة النبويّة: 342 وسيأتي تفصيل القول في ذلك!