الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمصابرة
(وهي مفاعلة من الصبر) مصابرة هذه المشاعر كلها، ومصابرة الأعداء الذين يحاولون جاهدين أن يفلّوا من صبر المؤمنين .. مصابرتها ومصابرتهم، فلا ينفد صبر المؤمنين على طول المجاهدة، بل يظلّون أصبر على أعدائهم وأقوى: أعدائهم من كوامن الصدور، وأعدائهم من شرار الناس سواء .. فكأنما هو رهان وسباق بينهم وبين أعدائهم، يدعون فيه إلى مقابلة الصبر بالصبر، والدفع بالدفع. والجهد بالجهد، والإصرار بالإصرار، ثم تكون لهم عاقبة الشوط أن يكونوا أثبت وأصبر من الأعداء .. وإذا كان الباطل يصرّ ويصبر ويمضي في الطريق، فما أجدر الحق أن يكون أشدّ إصراراً وأعظم صبراً على المضيّ في الطريق!
والمرابطة
.. الإقامة في مواقع الجهاد، وفي الثغور المعرّضة لهجوم الأعداء .. وقد كانت الجماعة المسلمة لا تغفل عيونها أبداً، ولا تستسلم للرّقاد! فما هادنها أعداؤها قطّ، منذ أن نوديت لحمل أعباء الدعوة، والتعرّض بها للناس، وما يهادنها أعداؤها قطّ في أيّ زمان أو في أيّ مكان، وما تستغني عن المرابطة للجهاد، حيثما كانت إلى آخر الزمان!
إن هذه الدعوة تواجه الناس بمنهج حياة واقعي .. منهج يتحكّم في ضمائرهم، كما يتحكّم في أموالهم، كما يتحكّم في نظام حياتهم ومعايشهم .. منهج خير عادل مستقيم .. ولكن الشرّ لا يستريح للمنهج الخيّر العادل المستقيم، والباطل لا يحبّ الخير والعدل والاستقامة .. والطغيان لا يسلم للعدل والمساواة والكرامة .. ومن ثم ينهد لهذه الدعوة من أصحاب الشرّ والباطل والطغيان .. ينهد لحربها المستنفعون المستغلون الذين لا يريدون أن يتخلّوا عن الاستنفاع والاستغلال .. وينهد لحربها الطغاة البغاة العتاة
المستكبرون الذين لا يريدون أن يتخلّوا عن الطغيان والاستكبار .. وينهد لحربها المستهترون المخلّون؛ لأنهم لا يريدون أن يتخلّوا عن الانحلال والشهوات .. ولابدّ من مجاهدتهم جميعاً، ولابدّ من الصبر والمصابرة، ولابدّ من المرابطة والحراسة، كي لا تؤخذ الأمّة المسلمة على غرّة من أعدائها الطبيعيّين، الدائمين في كل أرض وفي كل جيل عبر التاربخ!
هذه طبيعة الدعوة، وهذا طريقها .. إنها لا تريد أن تعتدي، ولكن تريد أن تقيم في الأرض منهجها القويم ونظامها السليم .. وهي واجدة أبداً من يكره ذلك المنهج وهذا النظام، ومن يقف في طريقها بالقوّة والكيد، ومن يتربّص بها الدوائر، ومن يحاربها باليد والقلب واللسان .. ولابدّ لها أن تقبل المعركة بكل تكاليفها .. ولابدّ لها أن ترابط وتحرس ولا تغفل لحظةً ولا تنام!
والتقوى .. التقوى تصاحب هذا كله؛ فهي الحارس اليقظ في الضمير يحرسه أن يغفل، ويحرسه أن يضعف، ويحرسه أن يعتدي، ويحرسه أن يحيد عن الطريق من هنا ومن هناك!
ولا يدرك الحاجة إلى هذا الحارس اليقظ، إلا من يعاني مشاق هذا الطريق، ويعالج الانفعالات المتناقضة المتكاثرة المتواكبة في شتّى الحالات وشتّى اللحظات!
إنه الإيقاع الأخير .. وهو جماعها كلها، وجماع التكاليف التي تفرضها هذه الدعوة في عمومها؛ ومن ثم يعلق الله بها عاقبة الشوط الطويل، وينوط بها الفلاح في هذا المضمار:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} !