الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونبصرها منحةً ربَّانيَّة بعد اشتداد المحن .. ونبصر التنزيه والتقديس في مطلع تلك الآية .. كما نبصر الحمد في ختام السورة:
انشقاق القمر:
ويطالعنا قوله تعالى:
إنه مطلع باهر مثير، على حادث كونيّ كبير، وإرهاص بحادث أكبر، لا يُقاس إليه ذلك الحدث الكونيّ الكبير:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} !
يا له من إرهاص!
ويا له من خبر!
لقد رأوا الحدث الأوّل فلم يبق إلا أن ينتظروا الحدث الأكبر .. وتمضي الآيات واضحة الدلالة .. والروايات عن انشقاق القمر، ورؤية العرب له في حالة انشقاقه ثابتة وفق قواعد التحديث رواية ودراية ..
يروي الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن مسعود صلى الله عليه وسلم قال:
انشقّ القمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم شقّين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اشهدوا"(1)!
وفي رواية عن أنس صلى الله عليه وسلم:
أن أهل مكّة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر. (2)
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن القمر انشقّ زمان النبي صلى الله عليه وسلم. (3)
(1) البخاري: 61 - المناقب (3636)، وانظر (3869، 3871، 4864، 4865)، ومسلم (2800)، والنسائي: التفسير 572، 573، والطبري: التفسير: 27: 85، والطحاوي: شرح المشكل (698، 699، 702، 703)، وابن حبان (6495).
(2)
البخاري (3637)، وانظر (3868، 4867، 4868)، ومسلم (2802)، والطيالسي (1960)، وأحمد: 3: 165، 207، 220، 275، وعبد بن حميد (1185).
(3)
البخاري (3638)، وانظر (3870، 4866)، وأحمد: 1: 377، 447، 456)، والنسائي: الكبرى (11553)، والتفسير (573)، وأبو يعلى (4968)، والبيهقي: =
تلك أهم روايات انشقاق القمر .. تحددّ مكان الحادث وزمانه وهيئته .. وهي آية واجه بها القرآن الكريم المشركين في حينه، ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه، فلا بد أن يكون قد وقع فعلاً بصورة يتعذَّر معها التكذيب (1)، ولو على سبيل المراء الذي كانوا يمارونه في الآيات، لو وجدوا منفذاً للتكذيب، وكل ما روي عنهم أنهم قالوا: سحرنا! ولكنهم هم أنفسهم اختبروا الأمر، فعرفوا أنه ليس بسحر، فلئن كان قد سحرهم فإنه لا يسحر المسافرين خارج مكة الذين رأوا الحادث وشهدوا به، حين سئلوا عنه، كما في بعض الروايات!
ونبصر توجيه القلب البشريّ إلى آيات الله القائمة في الأنفس والآفاق، وفي أحداث التاريخ سواء .. ومن ثم نبصر الإشارة إلى اقتراب الساعة، باعتبار هذه البشارة لمسة للقلب البشريّ ليستيقظ ويستجيب!
وانشقاق القمر إذن كان آيةً كونيّةً يوجه القرآن الكريم القلوب إليها، كما يوجّهها دائماً إلى الآيات الكونيّة الأخرى، ويعجب من أمرهم وموقفهم إزاءها، كما يعجب من مواقفهم تجاه آيات الله الكونيّة الأخرى!
إن الخوارق الحسّيّة قد تدهش القلب البشريّ في طفولته، قبل أن يتهيأ لإدراك الآيات الكونيّة القائمة الدائمة والتأثر بإيقاعها الثابت الهادئ ..
= الدلائل: 2: 264، 265، وعبد الرزاق: التفسير: 2: 257 مطوّلاً، والحاكم: 2: 471 - 472، والترمذي (3285، 3286، 3287)، والطبري: التفسير: 27: 85، وانظر: فتح القدير للشوكاني: 5: 123.
(1)
في ظلال القرآن: 6: 3426 وما بعدها بتصرف.
وكل الخوارق التي ظهرت على أيدي الرسل عليهم صلوات الله وتسليماته، قبل أن تبلغ البشريّة الرشد والنضوج يوجد في الكون ما هو أكبر منها وأضخم، وإن كان لا يستثير الحسّ البدائي كما تستثيره تلك الخوارق!
والقمر في ذاته آية أكبر!
هذا الكوكب بحجمه، ووضعه، وشكله، وطبيعته، ومنازله، ودورته، وآثاره في حياة الأرض، وقيامه هكذا في الفضاء بغير عمد!
هذه هي الآية الكبرى القائمة الدائمة حيال الأبصار وحيال القلوب، توقع إيقاعها، وتلقي ظلالها، وتقوم أمام الحسّ شاهداً على القدرة المبدعة التي يصعب إنكارها إلا عناداً أو مراءً!
وقد جاء القرآن ليقف بالقلب البشريّ في مواجهة الكون كله، وما فيه من آيات الله القائمة الثابتة، ويصله بهذا الكون وآيات الله فيه في كل لحظة لا مرّة عارضة في زمان محدود، يشهدها جيل من الناس في مكان محدود!
والكون كله هو مجال النظر والتأمّل في آيات الله التي لا تنفد، ولا تذهب، ولا تغيب، وهو بجملته آية، وكل صغيرة فيه وكبيرة آية .. والقلب البشريّ مدعوّ في كل لحظة لمشاهدة الخوارق القائمة الدائمة، والاستماع إلى شهادتها الفاصلة الحاسمة .. وعجائب الإبدل الممتعة، التي يلتقي فيها الجمال بالكمال، والتي تستجيش انفعال الدهش والحيرة مع وجدان الإيمان والاقتناع الهادئ العميق!
ونبصر في مطلع السورة تلك الإشارة إلى اقتراب الساعة وانشقاق