الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ
تاريخ المسجد الأقصى:
وبعد أن ألقينا الضوء على مكانة المسجد الحرام، وأنه أوّل بيت وضع في الأرض للعبادة .. يطالعنا ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال:
قلت: يا رسول الله! أيّ مسجد وضع في الأرض أول؟
قال: "المسجد الحرام".
قال: قلت: ثم أيّ؟ قال: "المسجد الأقصى".
قال: قلت: كم كان بينهما؟
قال: "أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة فصله، فإن الفضل فيه".
وفي رواية:
حيثما أدركتك الصلاة فصلِّ، والأرض كلها مسجد" (1).
قال ابن الجوزي (2): فيه إشكال؛ لأن إبراهيم بني الكعبة، وسليمان بني بيت المقدس، وبينهما أكثر من ألف سنة. اهـ
(1) البخاري: 60 - كتاب الأنبياء (3366)، وانظر (3425)، ومسلم (120)، وعبد الرزاق (1578)، والحميدي (134)، وابن خزيمة (787)، وأحمد: 5: 150، 156، 157، 160، 166، 167، والنسائي: 2: 32، والكبرى (11281)، وابن خزيمة (1290)، وأبو عوانة (1158، 1159، 1160)، وابن ماجه (753)، والبغوي: التفسير: 1: 328، وأبو نعيم: الحلية: 4: 217، وابن حبان (6228).
(2)
فتح الباري: 6: 408 وما بعدها بتصرف.
قال ابن حجر: ومستندة في أن سليمان عليه السلام هو الذي بني المسجد الأقصى ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً بإسناد صحيح:
"أن سليمان لمَّا بنى المسجد سأل الله تعالى خلالًا ثلاثاً
…
" الحديث.
وفي الطبراني من حديث رافع بن عميرة:
"أن داود عليه السلام ابتدأ ببناء المقدس، ثم أوحى الله إليه: إنّي لأقضي بناء على يد سليمان". وفي الحديث قصة.
قال: وجوابه أن الإشارة إلى أوّل البناء، ووضع أساس المسجد!
وليس إبراهيم أوّل من بني الكعبة، ولا سليمان أول من بني بيت المقدس، فقد روينا أن أول من بني الكعبة آدم، ثم انتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بني إبراهيم الكعبة بنص القرآن، وكذا قال القرطبي: إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما.
قال ابن حجر: وقد مشى ابن حبان في صحيحه على ظاهر هذا الحديث فقال: في هذا الخبر ردّ على من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة، ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة، وهذا عين الحال لطول الزمان -بالاتفاق- بين بناء إبراهيم عليه السلام البيت وبين موسى عليه السلام.
ثم إن في نص القرآن أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة.
وقد تعقَّب الحافظ الضياء بنحو ما أجاب به ابن الجوزي.
وقال الخطابي: يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض
أولياء الله قبل داود وسليمان، فزادا فيه ووسعاه، فأضيف إليهما بناؤه.
قال: وقد ينسب هذا المسجد إلى إيلياء، فيحتمل أن يكون هو بانيه أو غيره، ولست أحقق لِم أضيف إليه؟
وقيل: الملائكة، وقيل: سام بن نوح عليه السلام، وقيل: يعقوب عليه السلام.
فعلى الأوّلين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديداً كما في الكعبة، وعلى الأخير يكون الواقع من إبراهيم أو يعقوب أصلًا وتأسيساً. ومن داود تجديداً لذلك، وابتداء بناء فلم يكمل على يده، حتى أكمله سليمان عليه السلام.
لكن الاحتمال الذي ذكره ابن الجوزي أوجه.
قال ابن حجر: وقد وجدت ما يشهد له، ويؤيد قول من قال: إن آدم هو الذي أسَّس كلاً من المسجدين.
فذكر ابن هشام في (كتاب التيجان) أن آدم لمَّا بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس، وأن يبنيه، فبناه ونسك فيه، وبناء آدم للبيت مشهور، وأشار إلى حديث عبد الله بن عمرو: أن البيت المعمور رفع في زمن الطوفان حتى بوأه الله لإبراهيم!
وقال: روى ابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة قال: وضع الله البيت مع آدم لمَّا هبط، ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فقال الله له: يا آدم، إنّي قد أهبطت بيتاً يطاف به، كما يطاف حول عرشي، فانطلق إليه، فخرج آدم إلى مكّة، وكان قد هبط بالهند ومدّ له في خطوه، فأتى البيت فطاف به!
وقيل: إِنه لما صلّى إِلى الكعبة أُمر بالتوجه إِلى بيت المقدس، فاتّخذ فيه مسجداً وصلّى فيه، ليكون قبلة لبعض ذرّيّته!