الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسبق أن أشرنا إلى ذلك!
قال الفخر الرازي:
فلما أقرّ بذلك في أول الأمر علمنا أن الذي قاله ها هنا من أنه قول البشر، إنما ذكره على سبيل العناد والتمرّد؛ لا على سبيل الاعتقاد!
وفي سورة (القلم) -وهي من طلائع السابقات المكيّات في سور القرآن- آيات أقرب ما تكون في معانيها وأهدافها إلى آيات سورة (المدثر)، قرباً يكاد يكون وحدةً تؤلف نموذجاً متكامل الصورة في إبراز نوع من الطبائع البشريّة، يمثل في الحياة أخبث أنواع الشرور الكامنة في نفوس بعض الأفراد والجماعات على مرّ الزمان، واختلاف الأجيال، وتطوّر الأفكار!
وقد نقلنا إجماع المفسرين على أن المقصود بآيات (المدثر) مبتدئة بقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)} باعتباره نموذجاً لأخبث أنواع الشرور النفسية والاجتماعيّة والعقليّة هو الوليد بن المغيرة المخزومي!
وعلى أساس هذا النقل، وما توحي به الآيات، وما يعطيه جوّها وأحداثها جرينا (1) في تحليلنا للآيات وفي تفسيرها بما يظهر صورة النموذج البشري الشرير، فيجعله مثلاً مضروياً في شاهد الحياة، ووقائع الأحداث في كل زمان، وكل مكان، وكل جيل من البشر!
34 - في رحاب سورة (القلم):
بيد أن المفسرين اختلفوا في المراد من الآيات من سورة (القلم) باعتباره نموذجاً لمعانيها وحقائقها وأهدافها وآثارها!
(1) محمَّد رسول الله: 2: 245 وما بعدها بتصرف.
قال القرطبي: ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة، وأبي جهل (1)، وإذا كان هذا الوصف ({مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)}! (القلم)، وصفاً من أوصاف سورة (القلم) تدفعه به القصة التي تبين أنه كان ينفق ماله رئاء للناس، وتسميعاً بذكره، فإن سائر الأوصاف المذكورة فيها منطبقة عليه: قال تعالى:
هذه الآيات تضمنت عدّة أوصاف وصف بها طاغية الماديّة الوثنيّة، وكان خاتم هذه الأوصاف يشبه أن يكون تعييناً للوليد بن المغيرة، وأنه هو المراد هنا في آيات سورة (القلم)، كما هو المراد في آيات سورة (المدثر) باعتباره نموذجاً في الموضعين لأخبث أنواع الشرّ النفسي والاجتماعي في الطبائع البشريّة، وهذا الوصف المعين بالاختصاص هو قوله تعالى:{أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)} ! فلم يعرف من طواغيت الوثنيّة في قريش بشهرته بكثرة المال والبنين مثل ما عرف الوليد بن المغيرة، وقد كان هذا الوصف محور فجوره وطغيانه الذي دارت عليه معاني آيات سورة (المدثر)!
وقد افتتحت آيات سورة (القلم) بنهي النبي صلى الله عليه وسلم نهي تعليم وتشريع عام عموم الأزمنة والأمكنة والأجيال والأحداث، بعد تمهيد بنهي عام، أجمل تحته أقبح وصف اتصف به إنسان، فقيل:{فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8)} ! (القلم) والمكذبون لرسالات الله هم الذين لا يرعون في حياتهم عهداً، ولا يعرفون
(1) تفسير القرطبي: 18: 229، دار إحجاء التراث عام 1966 م.