المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والأصل في الباب حديث ابن عباس، حبر الأمة، والمرجوع إليه - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٤

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«مقدمات جهاد الدعوة وأثرها في حياة الدعاة»

- ‌مقدمة

- ‌رسالة ورسول

- ‌1 - إنذار الأقربين:

- ‌2 - الجهر العام:

- ‌3 - بين زعماء قريش وأبي طالب:

- ‌4 - السخرية والاستهزاء:

- ‌5 - التطاول على القرآن ومنزله ومن جاء به:

- ‌6 - الاتصال باليهود وأسئلتهم:

- ‌ السؤال عن الروح:

- ‌ أهل الكهف:

- ‌ ذو القرنين:

- ‌7 - دستور الحكم الصالح:

- ‌الطغاة:

- ‌المستضعفون:

- ‌8 - إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}:

- ‌10 - بين الصهيونية والصليبيّة:

- ‌11 - معركة عقيدة:

- ‌12 - إسلام عمر الفاروق:

- ‌13 - عزيمة النبوّة:

- ‌14 - الاضطهاد والتعذيب:

- ‌15 - المساومة والإغراء:

- ‌16 - عقليَّة بليدة:

- ‌أولها:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌17 - السمو الروحي:

- ‌18 - رسالة ورسول:

- ‌19 - طمأنينة قلب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - في رحاب سورة (فصلت):

- ‌21 - عناد المشركين:

- ‌22 - المعجزة الكبرى:

- ‌23 - نهاية المفاوضات:

- ‌24 - الصبر الجميل:

- ‌25 - تبليغ الرسالة:

- ‌26 - موقف الوليد بن المغيرة:

- ‌27 - نموذج للشرّ الخبيث:

- ‌قال المفسرون:

- ‌وقال الشوكاني في قوله:

- ‌28 - دعاية للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - نماذج الخبث البشري:

- ‌30 - أسلوب الآيات:

- ‌31 - معالم الفجور:

- ‌32 - خصائص هذا النموذج:

- ‌33 - رأي آخر:

- ‌قال الفخر الرازي

- ‌قال الفخر الرازي:

- ‌34 - في رحاب سورة (القلم):

- ‌35 - معالم خصائص نموذج الفجور:

- ‌ المعْلَم الأول:

- ‌ المعْلم الثاني:

- ‌ المعلم الثالث:

- ‌ المعْلم الرابع:

- ‌ المعْلَم الخامس:

- ‌ المعْلَم السادس:

- ‌36 - إشهار نموذج الشر:

- ‌37 - منح في ثنايا المحن:

- ‌38 - إذاعة الإرجاف:

- ‌39 - توجيه إلهي:

- ‌40 - إسلام الطفيل الدوسي:

- ‌41 - نور الهداية:

- ‌42 - مضاء العزيمة:

- ‌43 - حوار عقول:

- ‌44 - آيات من العبر:

- ‌45 - قوّة الإيمان:

- ‌46 - المستقبل للإسلام:

- ‌47 - درس للدعاة:

- ‌«طريق جهاد الدعوة في ضوء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مقدمة

- ‌هذا هو الطريق

- ‌أشدّ الناس بلاء:

- ‌مفرق الطريق:

- ‌ضرورة الابتلاء:

- ‌قيمة العقيدة:

- ‌حقيقة الابتلاء:

- ‌يخلص لنا ابتداءً:

- ‌ويخلص لنا ثانياً:

- ‌ويخلص لنا ثالثاً:

- ‌ويخلص لنا رابعاً:

- ‌ابتلاء شديد:

- ‌هذا هو الطريق

- ‌وهذه هي طبيعة هذا المنهج ومقوّماته

- ‌والمصابرة

- ‌والمرابطة

- ‌تمحيص المؤمنين:

- ‌تربية إيمانيّة:

- ‌توكّل على الله:

- ‌نهاية الظالمين:

- ‌إعداد وثبات:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌معالم في الطريق:

- ‌المعلم الأول:

- ‌المعلم الثاني:

- ‌المعلم الثالث:

- ‌زلزال شديد:

- ‌مناجاة في ليلة القدر:

- ‌الله والطاغوت:

- ‌شظايا من الإيمان:

- ‌الهجرة إلى الحبشة

- ‌أول هجرة في الإِسلام:

- ‌السابقون إلى الإِسلام:

- ‌مكانة السابقين:

- ‌غيظ قريش وحنقها:

- ‌إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة:

- ‌هجرة تبليغ الرسالة:

- ‌البعد عن مواطن الفتنة:

- ‌البعد عن إثارة المعوّقات في طريق الرسالة:

- ‌تخفيف الأزمات النفسيّة:

- ‌إفساح طريق التبليغ:

- ‌سجل المهاجرين:

- ‌حكمة سياسة الاستسرار:

- ‌سفارة المشركين إلى النجاشي:

- ‌سياسية تبليغ الدعوة:

- ‌إخفاق سفارة المشركين:

- ‌تملك النجاشيّ على الحبشة:

- ‌إسلام النجاشي:

- ‌عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

- ‌مكانة المرأة المسلمة:

- ‌عودة المهاجرين إلى المدينة:

- ‌هجرة مواجهة واختبار:

- ‌أسطورة الغرانيق

- ‌أكذوبة متزندقة:

- ‌المبشرون المستشرقون:

- ‌المستشرق اليهودي (يوسف شاخت) وأسطورة الغرانيق:

- ‌المستشرق (بروكلمان) وغيره:

- ‌السبب الأول:

- ‌السبب الثاني:

- ‌ردود العلماء:

- ‌بطلان الأسطورة سنداً ومتناً:

- ‌قول الحافظ ابن حجر:

- ‌قول الدكتور (أبو شهبة):

- ‌قول الإِمام محمد عبده:

- ‌البطلان من حيث الزمان:

- ‌سبب سجود المشركين:

- ‌لا سبيل للشيطان:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌على أن قول الشيخ الإِمام ابن تيمية:

- ‌ثم قال الإِمام ابن تيمية:

- ‌رأي أهوج للكوراني:

- ‌أمران باطلان:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌مفاسد رأي الكوراني:

- ‌المفسدة الأولى

- ‌قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة:

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى

- ‌المفسدة الثانية

- ‌وأجاب الشيخ الكوراني على هذا الوجه من المفسدة فقال:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌يقول الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الثالثة:

- ‌وقال الشيخ عرجون

- ‌ويردّ الشيخ إبراهيم الكوراني على الوجه الثالث من وجوه المفاسد الغرنوقيّة، فيقول الآلوسي

- ‌قال الشيخ عرجون:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌المفسدة الرابعة:

- ‌المفسدة الخامسة:

- ‌المفسدة السادسة:

- ‌قال العلاّمة الآلوسي:

- ‌ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة):

- ‌ثم قال الآلوسي:

- ‌قال شيخنا عرجون رحمه الله:

- ‌آيات القرآن:

- ‌درس للدعاة:

- ‌اعتباران:

- ‌الاعتبار الأول:

- ‌الاعتبار الثاني:

- ‌وصيّة أخويّة:

- ‌محنة الحصار الاقتصادي المقاطعة الظالمة

- ‌قوّة عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدبير أبي طالب لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سبب كتابة الصحيفة:

- ‌شدّة حرص أبي طالب وشعره:

- ‌نقض ما تعاهدوا عليه:

- ‌آية الله في الصحيفة:

- ‌سعي أبي طالب:

- ‌كاتب الصحيفة:

- ‌شدة الحصار:

- ‌وفي رواية يونس:

- ‌كاتبها ماحيها:

- ‌تحرك العواطف:

- ‌لؤم نحيزة أبي جهل:

- ‌شعر أبي طالب بعد تمزيق الصحيفة:

- ‌المقاطعة في الصحيح:

- ‌إعداد لتحمّل أثقال الدعوة:

- ‌دروس للدعاة:

- ‌مسيرة الدعوة:

- ‌توالي اشتداد المحن

- ‌خُسران ملأ قريش:

- ‌مواقف العامة من الدعوة:

- ‌منهج الدعوة إلى الله:

- ‌رزء الحميّة القوميّة بوفاة أبي طالب:

- ‌شعر أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وصيّة أبي طالب لقومه:

- ‌وفاة أبي طالب:

- ‌رزء الإِسلام ونبيّه بوفاة خديجة رضي الله عنها:

- ‌حقيقة الرسالة:

- ‌تسامي حياة الصدّيقية المؤمنة:

- ‌ورقة يؤكد فراسات خديجة:

- ‌دور خديجة رضي الله عنها:

- ‌موت خديجة وتسليم الله عليها وتبشيرها:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف:

- ‌قدوم الجنّ وإسلامهم:

- ‌توجيه ربّانيّ:

- ‌«الإسراء والمعراج - منحة ربانية بعد اشتداد المحن»

- ‌مقدمة

- ‌منحة ربَّانيَّة

- ‌طريق الدعوة:

- ‌أعظم آيّات الإعجاز الكوني:

- ‌تشريف وتكريم:

- ‌آيات الأنبياء:

- ‌رسالة عقليّة علميّة خالدة:

- ‌القرآن آية التحدّي العظمى:

- ‌الآيات الحسيّة لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌فكان الردّ عليهم:

- ‌ونقرأ التعقيب في الآية التالية:

- ‌ونبصر موقف أهل الإيمان عقب تلك الآيات مباشرة:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌نبع الماء من بين أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌تكثير الطعام القليل:

- ‌حنين الجذع:

- ‌التحدّي بالقرآن:

- ‌آية الإسراء أرفع المراتب:

- ‌مفهوم الإسراء:

- ‌مفهوم المعراج:

- ‌حكم الإسراء والمعراج:

- ‌أهم الأحاديث:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحكمة في اختصاص كل نبيّ بسماء:

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء:

- ‌حكمة اجتماع الأنبياء في الصلاة:

- ‌بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌حقيقة الإسراء والمعراج:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌قول باطل:

- ‌الإسراء ووحدة والوجود:

- ‌إبطال وحدة الوجود:

- ‌إنكار النصوص وتحريفها:

- ‌إغراب وتشويش:

- ‌طريق الكفاح في مسير الدعوة:

- ‌دعاة على الطريق:

- ‌وقت الإسراء والمعراج:

- ‌بدء الإسراء:

- ‌شبهات .. وردُّها

- ‌حديث شريك:

- ‌الشبهة الأولى وردّها:

- ‌الشبهة الثانية وردّها:

- ‌الشبهة الثالثة وردّها:

- ‌الشبهة الرابعة وردّها:

- ‌الشبهة الخامسة وردّها:

- ‌الشبهة السادسة وردّها:

- ‌الشبهة السابعة وردّها:

- ‌الشبهة الثامنة وردّها:

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه ليلة المعراج:

- ‌القول الأوّل:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الشبهة التاسعة وردّها:

- ‌الشبهة العاشرة وردّها:

- ‌بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:

- ‌مكانة المسجد الحرام

- ‌أول بيت للعبادة:

- ‌دين السلام:

- ‌ليلة القدر يكتنفها السلام:

- ‌أخوّة إنسانيّة:

- ‌الأسرة قاعدة الحياة البشريّة:

- ‌أساس السلام:

- ‌{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

- ‌أخص خصائص التحرّر الإنساني:

- ‌حرّية الدعوة:

- ‌إدراك العجز إدراك:

- ‌مكانة المسؤوليّة:

- ‌سلام عالمي:

- ‌ملّة إبراهيم:

- ‌سؤال الأمن يوم الخوف:

- ‌الأمن عبر التاريخ:

- ‌{أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}:

- ‌{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}:

- ‌حقوق الإنسان:

- ‌دعوة إبراهيم:

- ‌مكانة المسجد الأقصى ودور اليهود عبر التاريخ

- ‌تاريخ المسجد الأقصى:

- ‌في رحاب سورة الإسراء:

- ‌العصر الذهبي:

- ‌عهد الانقسام وزوال الملك:

- ‌مع الآيات القرآنية:

- ‌أشهر أقول المفسِّرين:

- ‌نبوءة المسيح عليه السلام:

- ‌رأي جديد:

- ‌سورة بني إسرائيل:

- ‌ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}

- ‌ردّ الكرة:

- ‌فرصة للاختيار:

- ‌بشرى للمؤمنين:

- ‌تعليق على المقال:

- ‌فتح المسلمين للقدس:

- ‌القدس الشريف:

- ‌خطبة الفاروق رضي الله عنه

- ‌العهدة العمرية:

- ‌أساطير التعصّب والحروب:

- ‌قذائف الحق:

- ‌نبوءة النصر:

- ‌الأقصى بين الأمس واليوم

- ‌الأقصى ينادي:

- ‌شكوى

- ‌جواب الشكوى

- ‌فلسطين الدامية

- ‌أخي

- ‌رد على الشهيد

- ‌نكبة فلسطين

- ‌يا أمتي وجب الكفاح

- ‌يا قدس

- ‌إلى القدس هيّا نشدّ الرحال

- ‌فلسطين الغد الظاهر

- ‌مناجاة في رحاب الأقصى

- ‌ذبحوني من وريد لوريد

- ‌اغضب لله

- ‌مشاهد وعبر

الفصل: والأصل في الباب حديث ابن عباس، حبر الأمة، والمرجوع إليه

والأصل في الباب حديث ابن عباس، حبر الأمة، والمرجوع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر رضي الله عنهم في هذه المسألة وراسله: هل رأى محمَّد صلى الله عليه وسلم ربّه! فأخبره أنه رآه!

وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها؛ فإنها ليست مما يدرك بالعقل، ويؤخذ بالظن، وإنما يتلقى بالسماع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد.

قال النوويّ: فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربّه بعيني رأسه ليلة الإسراء، لحديث ابن عباس وغيره مما تقدّم، وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه!

‌القول الثاني:

أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم ير ربّه، فقد أنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها، وجاء مثله عن أبي هريرة وجماعة، وهو المشهور عن ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من المحدّثين والمتكلّمين!

يروي الشيخان وغيرهما عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه! هل رأى محمَّد صلى الله عليه وسلم ربّه؟ فقالت: لقد قفّ (1) شعري مما قلت: أين أنت من ثلاث من حدّثكهن فقد كذب:

(1) أي قام من الفزع، لما حصل عندهما من هيبة الله، واعتقدته من تنزيهه، واستحالة وقوع ذلك، =

ص: 1588

من حدّث أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربّه فقد كذب، ثم قرأت:

{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [الأنعام]!

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى]!

ومن حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت:

{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34]!

ومن حدّثك أنه كتم فقد كذب، تم قرأت:

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]!

ولكن رأى جيريل عليه السلام في صورته مرّتين! (1)

= قال النضر بن شميل: القفّ -بفتح القاف وتشديد الفاء، كالقشعريرة، وأصله (القبض) والاجتماع؛ لأنّ الجلد ينقبض عند الفزع، فيقوم الشعر لذلك: فتح الباري: 8: 607 وما بين القوسين هكذا في الفتح، وصوابه (التقبّض) و (يتقبّض) كما في مقاييس اللغة، والمعجم الوسيط، ولعل ما في الفتح يرجعه إلى الخطأ الطباعي!

(1)

البخاري: 65 - التفسير (4855)، ومسلم (177)، وانظر: إسحاق بن راهويه: (1421، 1422، 1439)، وأحمد: 6: 236، 241، والترمذي (3068)، وأبو يعلى (4900، 4901)، والطبري: التفسير: 27: 50، 51، وابن خزيمة: التوحيد: 222، 223، 224، 225، وأبو عوانة: 1: 153، 154، 155، والطحاوي: شرح المشكل (5599، 5600)، وابن حبّان (60)، وابن منده (763، 764، 765، 767، 768)، والبيهقيّ: الأسماء والصفات: 2: 180، 181.

ص: 1589

وفي رواية عن الشيباني قال: سألت زِرًّا عن قوله تعالى:

{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} [النجم]!

قال: أخبرنا عبد الله أنه محمَّد صلى الله عليه وسلم من رأى جبريل له ستمائة جناح! (1)

قال ابن حجر: (2) والحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل، كما ذهبت إلى ذلك عائشة، والتقدير على رأيه {فَأَوْحَى} أي جبريل:{إِلَى عَبْدِهِ} أي عبد الله محمَّد؛ لأنه يرى أن الذي دنا فتدلّى هو جبريل، وأنه هو الذي أوحى إلى محمَّد!

وكلام أكثر المفسّرين من السلف يدلّ على أن الذي أوحى هو الله، أوحى إلى عبده محمَّد!

ومنهم من قال: إلى جبريل!

وفي رواية عن أبي هريرة في قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} [النجم]

قال: رأى جبريل (3).

(1) البخاري: 65 - التفسير (4857)، ومسلم (174).

(2)

فتح الباري: 8: 610 - 611.

(3)

مسلم (175).

ص: 1590

قال ابن القيم: (1) وأما قوله تعالى في سورة النجم:

{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)}

فهو غير الدنوّ والتدلّي في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو جبريل وتدلّيه، كما قالت عائشة وابن مسعود، والسياق يدلّ عليه، فإنه قال:

{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)} [النجم]!

فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوي، وهو الذي دنا فتدلّى، فكان من محمَّد صلى الله عليه وسلم قدر قوسين أو أدنى!

بين القولين:

قال النوويّ عقب ذكره أدلة القول الأوّل: (2) ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضي الله عنها؛ لأنّ عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لم أر ربّي، وإنما ذكرت متأوّلة لقول الله تعالى:

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51]!

ولقول الله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]!

(1) زاد المعاد: 31: 38.

(2)

النوويّ على مسلم: 3: 5.

ص: 1591

والصحابي إذا قال قولًا، وخالفه غيره منهم، لم يكن قوله حجة!

وذكر ابن حجر تعليقًا على قول النوويّ: وجزمه بأن عائشة لم تنف الرؤية بحديث مرفوع تبع فيه ابن خزيمة (1)، فإنه قال في كتاب التوحيد من صحيحه: النفي لا يوجب علمًا، ولم تحلّ عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها أنه لم ير ربّه، وإنما تأوّلت الآية.

قال ابن حجر: وهو عجيب، فقد ثبت ذلك عنها في صحيح مسلم الذي شرحه الشيخ، فعنده من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي، عن مسروق في الطريق المذكور قال مسروق: وكنت متكئًا فجلست، فقلت: ألم يقل الله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)}

فقالت: أنا أوّل هذه الأمة سأل رسول الله عن ذلك، فقال:"إنما هو جبريل".

وأخرجه ابن مردويه من طريق أخرى عن داود بهذا الإسناد، فقالت: أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، فقلت: يا رسول الله! هل رأيت ربّك؟ فقال: "لا، إنما رأيت جبريل منهبطًا"!

نعم، احتجاج عائشة بالآية المذكورة خالفها فيه ابن عباس، فأخرج الترمذي من طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:(2) رأى محمَّد ربّه.

(1) فتح الباري: 8: 607 - 608.

(2)

انظر: الترمذي (3279)، (3278 - 3280)،

ص: 1592

قلت: أليس الله يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]!

قال: ويحك، ذاك إذا تجلّى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربّه مرتين!

قال ابن حجر: وحاصله أن الراد بالآية نفي الإحاطة به عند رؤياه، لا نفي أصل رؤياه!

واستدل القرطبي في (المفهم) لأنّ الإدراك لا ينافي الرؤية بقوله تعالى حكايته عن أصحاب موسى:

{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} [الشعراء]!

وهو استدلال عجيب؛ لأنّ متعلق الإدراك في آية الأنعام البصر، فلما نفى كان ظاهره نفي الرؤية، بخلاف الإدراك الذي في قصّة موسى، ولولا وجود الإخبار بثبوت الرؤية ما ساغ العدول عن الظاهر!

ثم قال القرطبي: الأبصار في الآية جمع محلّى بالألف واللام، فيقبل التخصيص، وقد ثبت دليل ذلك سمعًا في قوله تعالى:

{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين].

فيكون المراد الكفّار، بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى:

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة]!

ص: 1593

قال: وإذا جازت في الآخرة جازت في الدنيا، لتساوي الوقتين بالنسبة إلى المرئي!

قال ابن حجر: وهو استدلال جيّد!

وقال عياض: رؤية الله سبحانه وتعالى جائزة عقلًا، وثبتت الأخبار الصحيحة المشهورة بوقوعها للمؤمنين في الآخرة، وأمّا في الدنيا، فقال مالك: إنما لم يُر سبحانه في الدنيا لأنه باق، والباقي لا يرى بالفاني، فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارًا باقيةً رأوا الباقي بالباقي!

قال عياض: وليس في هذا الكلام استحالة الرؤية إلا من حيث القدرة، فإذا قدر الله من شاء من عباده عليها لم يمتنع!

قال ابن حجر: لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له أن يقول: إن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه!

ثم قال: يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر، وإثباته على رؤية القلب، ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالمًا بالله على الدّوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلًا، ولو جرت العادة بخلقها في العين، وروى ابن خزيمة بإسناد قوي عن أنس قال:

ص: 1594

وعند مسلم من حديث أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"نور أنّى أراه"(1).

وفي رواية لأحمد عنه قال: "رأيت نورًا".

وقال ابن كثير في قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} [النجم]!

معناه فأوحى جبريل إلى عبد الله محمَّد ما أوحى، أو فأوحى الله إلى عبده ما أوحى بواسطة جبريل، وكلا المعنيين صحيح! (2)

قلت: سبق في رواية ثابت عن أنس بن مالك: "فأوحى الله إليّ ما أوحى .. " وهو صريح في هذا، اللهم إلا أن يقال: لأنّ الإيحاء الوارد في هذه الرواية كان في ليلة الإسراء، بدليل نصّ هذا الحديث، فهو في الإسراء والمعراج، والإيحاء الآخر الذي سبق ذكره في بدء الدعوة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن قد أسري به!

وفي هذا يقول ابن القيمّ بعد أن ذكر أن الدنوّ والتدلّي في سورة النجم غيره في قصة الإسراء:

فأمّا الدنوّ والتدلّي الذي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنوّ الربّ تبارك وتدلّيه، ولا تعرّض في سورة النجم بذلك، بل فيها أنه

(1) مسلم (178).

(2)

تفسير ابن كثير: 4: 249.

ص: 1595

رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، وهذا هو جبريل، رآه محمَّد صلى الله عليه وسلم على صورته مرّتين: مرّة في الأرض، ومرّة عند سدرة المنتهى! (1)

ويقول القسطلاني: وهذا الدنوّ والتدلّي المذكور في هذا الحديث وغيره من أحاديث المعراج غير الدنوّ والتدلّي المذكور في قوله تعالى في سورة النجم:

{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 8، 9]!

وإن اتفقا في اللفظ، فإن الصحيح أن المراد في الآية جبريل؛ لأنه الموصوف بما ذكر من أول السورة إلى قوله:

{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)}

هكذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح -الذي سبق ذكره- ثم دلّل على ذلك! (2)

ويقول ابن كثير: فأمّا قول شريك عن أنس في حديث الإسراء: (ودنا الجبّار ربّ العزّة، فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) فقد يكون من فهم الراوي فأقحمه في الحديث .. وإن كان محفوظًا فليس بتفسير للآية الكريمة، بل هو شيء آخر، غير ما دلّت عليه الآية الكريمة! (3)

(1) زاد المعاد: 3: 38.

(2)

المواهب اللدنيِّة: 6: 98.

(3)

البداية: 3: 112.

ص: 1596